أخبارنافذة على الثقافة و الفن

ظاهرة الاكتظاظ في المشهد السياسي المغربي

ذ.عبد الله عزوزي

عنوان ما سأعالجه في هذا الموضوع مُستوحى من حقل التربية، رغم أن مصطلح “الاكتظاظ” قد يستعمل في أي حالة أو سياق ينطوي على العدد و الوعاء أو الحجم و السعة

ظاهرة الاكتظاظ بالتعليم المغربي، التي برزت فجأة في المدارس المغربية، و واصلت الاتساع بشكل مُطرد على مدى العشريتين الأخيرتين، والتي اكتفى الخبراء والمهتمون بوصفها بشكل سطحي، بل و المرور عليها مرور اللئام، كان يجب أن تكون بحق مُنبّهاً خطيراً للدولة و السلطات المعنية وصناع القرار حينها: هي ظاهرة اجتماعية مُتعددة الأبعاد و تختزل الكثير من المؤشرات الأخرى ذات الطابع العاجل، المتداخل، و المُعَقَّد..

الاكتظاظ بأقسام المدرسة المغربية، جاء ليُعْلنَ– بجانب باقي الظواهر و أوجه القُصور- عن السكتة القلبية للمنظومة التعليمية، بل و ليَدْفَعَ بها في اتجاه منحدر خطير، عندما رأى أولو العزم بأن يختزلوا هذه الظاهرة في التوظيف بالتعاقد، أي ببيع عقود لما يربو عن 250 ألف شاب عبر إجراء مباريات ( علما أن العقود لا تحتاج إلى إجراء مباراة بطابعها الرسمي/الترسيمي)، كان يجب الاكتفاء – مادام الأمر تعاقداً- بملأ طلب المشاركة و المرور لمقابلة شفهية قد تكون عن بعد، أي أن يُكتفى فيها بالهاتف، أو (دون الحاجة إليها)

فكرتي هنا، هو أن ظاهرة الاكتظاظ كان يجب أن تكون مدعاةً لمراجعة دستورية – و لما لا و هي على هذا القدر الكبير من الخطورة – بوُسعها أن تجعل من الدولة قادرة على مواجهة التحديات المُحدقة .. فالاكتظاظ يقتضي إعادة النظر في طريقة اشتغال المؤسسات، و إدارة المجالس والجماعات، و توظيف الكفاءات، و التخطيط، و رسم السياسات .. اكتظاظ الفصل الدراسي هو صورة مصغرة للاكتظاظ في باقي الأوساط و الفضاءات: اكتظاظ الإدارات والمرافق الاجتماعية، و وسائل و محطات النقل، و سوق الشغل، و السكن و التطبيب و التمدرس و الضغط المفرط و المتزايد على الموارد الطبيعية

هذه التحديات لا يمكن مواجهتها بقوانين بائدة وبعقليات تقليدية، و بنسب أمية أبجدية و فكرية مرتفعة، يجب أن لا ننسى، مثلا، أن حتى المجتمع في حد ذاته هو ظاهرة كيميائية و فيزيائية يتغير باستمرار، و أن على قادته أن يسايروا و يرصدوا هذا التغير و يواجهُوهُ بمنطق العلوم الرياضية و الهندسية التي تصيبُ و لا تُخْطأ، و ليس بالتدجين، أو الإلهاء، أو التحايل، أو الإفساد .. فحتى ربات البيوت، على سبيل الذكر و التوضيح، لا تغفلن لوهلة عن قصعة العجين و هي قيْدَ التخمر، و تعرفن جيدا أن محاربة فيضان العجين لا يمكن أن يتم بإضافة مزيد من الدقيق أو الماء، أو بتكسير القصعة في حالة الجنون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق