أخبارجماعات و جهات

حكاية شركة أوزون مع مدينة اليوسفية وكرونولوجية التشويق والمعاناة

يوسف الإدريسي

ابتدأت حكاية شركة أوزون للبيئة والخدمات بمدينة اليوسفية، بالضبط في 11 أبريل من سنة 2016، حين أعلن المجلس الجماعي المحلي طلبات عروض دولية في إطار صفقة التدبير المفوض لقطاع النظافة .. وكما هو معلوم، حازت عليها شركة أوزون بمبلغ سنوي حُدِّد وقتها بمليار و190 مليون سنتيم لمدة سبع سنوات

لم تكن  شركة “أوزون” للبيئة والخدمات تحتاج سوى لأربع ساعات عمل فقط، حتى وضعت أوزارها اضطرارا وأعادت أوراقها اختيارا، لتدرك أنها في مدينة استثنائية بكل المقاييس، وتحديدا حين دشن عمال النظافة في شهر ماي 2016 افتتاح أشغال الشركة باعتصام مفتوح أمام مستودع الآليات، احتجاجا على بنود عقود التشغيل، واستنكارا لما وصفوه منذئذ بسياسة “الحكرة” تجاه شريحة طالما لازمها “النحس” مع مسؤولي شركات القطاع

أمام كل ذلك، لجأ مسؤولو شركة “أوزون”  إلى جهاز القضاء، رامين بالكرة صوب دفتر التحملات المنجز بمكاتب المجلس الجماعي للمدينة

وقتها بالضبط، أدركت أوزون على لسان مدير مواردها البشرية في حوار أجريته معه ذاك الوقت، أن حيازة صفقة بمدينة اليوسفية لن يكون بالأمر السلس، وكونها لم تتصور  ذاك التعثر المُعنوَن بهيجان مجتمعي غير مسبوق، خاصة أن شركتنا، يضيف مسؤول أوزون، تدبر قطاع النظافة ب39 مدينة تتوزع على التراب الوطني، إضافة إلى دول إفريقية وعربية

استمرت الحكاية واستمر معها الألم واستمرت الاعتصامات والمظاهرات والتوقيفات من جانب الجزء الظاهر من جبل الجليد، مقابل أن الجزء الخفي منه كان قد شهد ترضيات ومكافآت ستبرز ملامحها فيما بعد .. والضحية هي المدينة وبسطاؤها والجسم الإعلامي، الذي كان وقتها الشاهد الأول والمتهم الأخير، ما جعل كل أصابع  الاتهام تتجه إلى كاتب حروف الحوار وتزيغ عن الصانع الفعلي للحدث

أتذكر حين وجهت السؤال لمدير الشركة حول ما كان يروج آنئذ في أوساط اليوسفيين على أن هناك ضغطا وابتزازا من طرف مستشارين بالمجلس الجماعي قصد الحصول على غنائم الصفقة، أجابني بأنه  سيلتزم الصمت في ذاك السؤال، قبل أن أجيبه بأن الصمت هو جواب في حد ذاته، وقد ضمّنت هذه العبارة في فقرات الحوار

ودارت الأيام وتعاقبت السنوات، مات من المسؤولين من مات، وانتقل منهم من انتقل، وغادر الشركة من غادر، ليعود النقاش من جديد، وهذه المرة من جانب السلطة المحلية من خلال وجوه جديدة لم تشهد ميلاد صفقة قيل عنها الكثير .. إذ، وجه باشا المدينة رسالة إلى رئيسة المجلس الجماعي، حول موضوع مرفق النظافة بتاريخ 28 أكتوبر 2021، وقد انعقد بعدها في 2 نونبر اجتماع جمع بين  ممثلي السلطة المحلية وممثلين عن المجلس  ومراقب الشركة بالمدينة

العجيب في هذا الاجتماع، هو أن جميع الأطراف أجمعوا على ضرورة تكثيف الجهود واحترام بنود دفتر التحملات، بما فيها التزامات الملحق الأول من دفتر التحملات، القاضي بتغطية جميع الأحياء الموجودة ضمن المدار الحضري للمدينة، في إشارة إلى صفقة نظافة موازية بالأحياء التابعة للمجمع الشريف للفوسفاط، والبالغة قيمتها 200 مليون سنتيم

 نقاش يصب مجمله في مصلحة المدينة، وفي صالح استرداد أموال لم تكن تقابلها خدمات، وأيضا من أجل قطاع نظافة، بات في حكم الضروري والمؤكد أن ينسجم مع تطلعات وانتظارات الساكنة، غير أن المثير للانتباه من خلال نسخة محضر الاجتماع، هو موقف أحد المستشارين الجماعيين، الذي يُقال عنه أنه غالبا ما يدافع عن شركة أوزون، كان موقفه أكثر تقدما من غيره، حين أكد قيام الجماعة بإيقاف صرف بعض مستحقات الشركة، وقد ربطه بضرورة موافاة هذه الأخيرة لمصالح الجماعة بعقود العمل الخاصة بعمال الشركة .. مؤكدا، أنه يجب أن تربط هؤلاء العمال علاقة مهنية مباشرة بشركة أوزون، وليس بغيرها من الشركات الوسائطية، بل أكثر من ذلك، ومن باب إنصاف العمال، كما جاء في ذات المحضر، طالب الشركة من خلال مؤسسة المجلس بشواهد الأجرة الخاصة بالأجراء من أجل مقارنة وضعيتهم المالية الحالية مع الوضعية السابقة، بهدف تبيان مدى استفادة العمال من التعويضات المخولة لهم قانونا، والمتعلقة أساسا بالتعويضات عن الأقدمية، بناءً على المادة 351 من مدونة الشغل

هكذا، وإذا كان الجميع يتفق على أن خدمات شركة أوزون متقدمة بشكل أو بآخر، مقارنة مع الشركة السابقة سوطراديما، مع حق التحفظ على ضخامة مبلغ الصفقة .. وإذا كان أيضا الجميع يتفق على أن الشركة يلزمها تنزيل خطط وآليات لتجويد الخدمات البيئية .. فأين يكمن الخلل إذن ..؟! ولماذا هذا النقاش حول شركة لم يبق لها سوى سنة أو ما يزيد عن ذلك بأشهر قليلة ..؟! وأين كان الجميع قبل هذا التاريخ !..؟

تساؤلات تطرح نفسها بإلحاح، غير أنها سرعان ما تتبدد في سماء الواقعية، حين نستذكر جميعا أن الذين استفادوا حقيقة من صفقة أوزون رحلوا عن أوزون نفسها، بل رحلوا عن المدينة وعن الدنيا أيضا

 ليبقى السؤال مطروحا من زاوية أخرى؛ كيف يمكننا  استثمار مابقي من أطلال صفقة أوزون، طبعا بعيدا عن الشخصنة، وأيضا بعيدا عن أسلوب الضرب تحت الحزام ..؟! وكيف نحفظ للموقوفين والمتضررين من عمال نظافة كرامتهم وحقوقهم، علما أنهم أعطوا الكثير ولم يأخذوا شيئا ..؟! وكيف نستثمر بنود دفتر التحملات للحفاظ على تجهيزات وعلى آليات ستكون بعد انتهاء العقدة في ملكية الجماعة، مما يجدر توظيفها في ميزانية الاستثمار خلال الصفقة المقبلة، إن قَدّر اللـه أن تكون هناك صفقة!..؟

ما يعني أمام  كل ذلك، أنه على مجلس جماعة اليوسفية بمعية جميع المتدخلين في الشأن المحلي، أن يتجردوا جميعا من ذواتهم ليفكروا بصوت واحد في كيفية استثمار ما تبقى من صفقة عمومية استطاعت على امتداد ست سنوات أن تؤرق الأجفان وتشيب لها الرؤوس، وإن كان الشيب هو حلية العقل وسمة الحكمة والوقار ..  فهل سيكون من هذا الباب حكماء المدينة وعقلاؤها في مستوى لحظة الحدث وحدث اللحظة .. أم سيسير الركب كما سار من قبل ..؟وحدها الشهور القادمة ستكشف عن المعلوم من الأمر وعن المجهول منه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق