أحزاب و نقاباتأخبار

بمناسبة اليوم العالمي للعمال المهاجرين وأسرهم

  * علي لطفي

  في مثل هذا اليوم من كل سنة يتم الاحتفال باليوم الدولي للعمال المهاجرين وأسرهم، وذلك بناء على الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، اعتمدت بقرار الجمعية العامة  في 18 دجنبر 1990  أخذا  في اعتبارها المبادئ المنصوص عليها في الصكوك الأساسية للأمم المتحدة، المتعلقة بحقوق الإنسان، وخاصة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقية حقوق الطفل، كما  أخذت  في الاعتبار أيضا المبادئ والمعايير الواردة في الصكوك ذات الصلة الموضوعة في إطار منظمة العمل الدولية، وخاصة الاتفاقية المتعلقة بالهجرة من أجل العمل (رقم97)، والاتفاقية المتعلقة بالهجرة في ظروف تعسفية، وتشجيع تكافؤ الفرص والمساواة في (معاملة العمال المهاجرين (رقم 143) والتوصية بشأن الهجرة من أجل العمل (رقم 86 والتوصية بشأن العمال المهاجرين (رقم 151)، والاتفاقية المتعلقة بالسخرة أو العمل,(القسري (رقم 39), والاتفاقية المتعلقة بإلغاء السخرة (رقم 105)

المغرب من الدول السباقة  إلى  المصادقة والتوقيع  على الاتفاقية

 وجدير بالذكر،  أن المغرب يعتبر من الدول الأوائل   التي صادقت على هذه الاتفاقية المذكورة، الموقع  بنيويورك في 21 يونيو1993،  الصادرة  بالجريدة الرسمية عدد 6015 الصادرة بتاريخ 29 صفر 1433 (23 يناير 2012)  

ويهدف هذا اليوم  العالمي  إلى تبديد الأحكام المسبقة والتوعية بمساهمة الهجرة في المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية لصالح بلدان المنشأ والمقصد، وهو الشعار الذي  اختارته المنظمة الديمقراطية للشغل والمنظمة الديمقراطية للعمال المهاجرين كموضوع  لتحيي هذه الذكرى العالمية لسنة 2021

المهاجرون، فاعلون ودعامة  أساسية  في التنمية الاقتصادية والاجتماعية

فمما لا شك فيه، أن الهجرة الدولية تلعب دورا مهما في التنمية الاقتصادية والاجتماعية .. ولعل موضوع الهجرة في علاقته بالتنمية من المواضيع ذات الأهمية، سواء على المستوى الدولي أو الوطني، فالهجرة كظاهرة إنسانية تشكل عامل إثراء وازدهار، سواء تعلق الأمر بدول الانطلاق أو الاستقبال،  في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية  والبيئة، تعلق الأمر بالهجرة من أجل العمل أو الدراسة  أو هجرة الأدمغة، أو الهجرة غير القانونية  .. وكل ما يترتب عنها من تحويلات للأموال مهمة لبلد المنشأ للمساهمة في التنمية والاستثمار  وتحقيق العدالة الاجتماعية والرفع من القدرة الشرائية للمجتمعات الفقيرة  ومحاربة الفقر والهشاشة والبطالة والمرض

و كما هو الشأن بالأثر الاقتصادي للهجرة على البلدان المُستَقبِلة للمهاجرين، حيث  أن الهجرة بوجه عام تُحَسِّن النمو الاقتصادي والإنتاجية في البلدان المضيفة، وتساهم في  التنمية الصناعية والبحث العلمي  وتطوير وتنمية مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .. فرغم أن موضوع  الهجرة ظل  محورا لسِجال  سياسي وانتخابي مكثف، كما هو عليه الحال في أروبا  وأمريكا   في السنوات الأخيرة، وبروز إيديولوجيات  و  حساسيات  وخطابات سياسية وأحيانا عنصرية  ضد المهاجرين، واتهامهم  بالعبء على الاقتصاد ..  فان  معظم الناس  لديهم رؤى  وتصورات إيجابية وإنسانية  تجاه المهاجرين، لما للأثر الاقتصادي للهجرة على البلدان المُستَقبِلة للمهاجرين ومساهمتهم في التنمية على كافة المستويات، بفضل الكفاءات و الخبرات والمهارات والمعارف العلمية  التي يتوفر  عليها المهاجرون ببلدان الاستقبال و القيمة المضافة التي يمثلونها في الاقتصاد والعلوم والصناعة،  وفي هذا السياق، عرف المغرب تجارب كبيرة  في مجال الهجرة الدولية و الإنسانية عبر التاريخ، شكلت مصدرا للازدهار والتنمية المستدامة بالنسبة لبلدنا  والتعاون والتضامن وتبادل الخبرات بين الدول خاصة الأروبية

  فأكثر من 5 ملايين مواطن يعيشون اليوم  في الخارج، في 100 دولة، بالقارات الخمس، وبعد أن كان المغرب يمثل بلد العبور، أصبح  من ضمن الدول الإفريقية التي تقيم فيها جالية مهمة، خاصة من الدول الإفريقية  جنوب الصحراء، فضلت الاستقرار به  وانخرطت في الحياة العامة، خاصة بعد أن  تمت تسوية وضعيتها القانونية للإقامة  في عمليات استثنائية سنتي 2014 و2016،  بتعليمات ملكية سامية، وبمقاربة اكثر إنسانية واجتماعية، وبإقامة مدتها 3 سنوات قابلة للتجديد، وأصبحت هذه الجالية، خاصة الإفريقية تعيش بيننا  في  بيئة  اجتماعية  تبحث فيها عن الاندماج  بكل الطرق  رغم كافة الصعوبات والتحديات التي يعاني منها المواطنون المغاربة  أنفسهم، يشتغلون  في  الفلاحة والبناء ومراكز الاستماع  والتجارة، و نسبة كبيرة منها تشتغل وتكسب رزقها اليومي وقوت يومها  في الاقتصاد غير المهيكل، كما أن نسبة أخرى تعاني من الهشاشة والفقر وانعدام السكن .. لكنها، تستفيد مجانا  من ولوج أبنائها  للتعليم العمومي والصحة  والعلاج والولادة، بل حتى عملية التمنيع  والتلقيح مجانا  ضد الجائحة تفاديا لانتشار المرض في صفوفهم، وذلك نتيجة  التجربة الإنسانية الفريدة، والرؤية السياسية  لجلالة الملك محمد السادس، في تدبير ملف الهجرة واللجوء ببلادنا أصبح المغرب رائدا للهجرة في إفريقيا،  ونال تشجيع المنتظم الدولي  والمنظمة العالمية للهجرة،  كما نال ثقة أشقائه في الاتحاد الأفريقي الذين شرفوه بتدبير قضايا الهجرة الإفريقية  من خلال تأسيس “مرصد إفريقي للهجرة ” مقره بالمغرب

هذا علاوة على دور المغرب في  استضافة  و شرف احتضانه  أول  وأكبر تظاهرة دولية حول الهجرة واللجوء، بمدينة مراكش سنة 2018، و التي توجت باتفاق تاريخي  للهجرة،  صادقت فيه أزيد من 164 دولة عبر العالم على أول “ميثاق عالمي شامل للهجرة ” بحضور عدد من زعماء ورؤساء وحكومات من القارات الخمس، تحت شعار ” نحو هجرة أمنة ومنظمة ونظامية”، فكان أول  اتفاق عالمي عبرت فيه الدول الموقعة عن التزام جماعي من أجل تحسين التعاون في مجال الهجرة الدولية  والتزمت  بالتوجه  إلى الاستثمار في تنمية المهارات والخبرات وتيسير الاعتراف بالمؤهلات والكفاءات وخلق ظروف تساعد المهاجرين على المساهمة الكاملة في التنمية المستدامة في جميع

البلدان، باعتبار أن الهجرة واقع متعدد الأبعاد، له أهمية كبرى بالنسبة لبلدان المنشأ والعبور والمقصد، وهو ما يتطلب اليوم اتخاذ تدابير مندمجة  وشاملة  تهدف المساهمة في تنمية  الهجرة  و في تحقيق نتائج إنمائية إيجابية بذلك، فقد شكل الميثاق العالمي للهجرات الآمنة والمنظمة والمنتظمة  تحولا نوعيا ومنعطفا حاسما نحو إرساء حكامة مشتركة للهجرة تجعل منها مصدرا للاستثمار في الرأسمال البشري، ولتطوير الاقتصاد، وخلق فرص مهمة للتنمية والرقي بالشعوب، وليس مصدر تهديد أمني وإرباك اقتصادي واجتماعي لدول الاستقبال

 لذلك، دعت بنود الاتفاق  إلى إشراك المهاجرين   والمجتمعات المحلية والمجتمع المدني والأوساط الأكاديمية والقطاع الخاص والنقابات العمالية ومؤسسات حقوق الإنسان، في بلورة و وضع سياسات فعالة للهجرة واللجوء لتلعب دورا مهما في التنمية الاقتصادية والاجتماعية،  سواء  من خلال التحويلات المالية أو استثمارات المهاجرين بوطنهم الأم،  وفي مناطقهم  و مساهمتها الفعالة في التنمية الاجتماعية

صحيح، أن  جائحة  كوفيد -19  أدت إلى توقف  في تدفق المهاجرين  بسبب  الإغلاق العام، وعدم  رغبة البلدان في استقبال مهاجرين جدد، مما أدى إلى تراجُع الهجرة  بشكل مؤقت .. لكن، بالمقابل ارتفع عدد ضحايا الهجرة السرية إلى ما يفوق 4000 وفاة بفضل الإهمال وسوء تدبير المراقبة الصارمة  للاتجار بالبشر، وأدت الجائحة إلى ارتفاع معدل البطالة بفقدان ملايين  مناصب الشغل في الاقتصادات المُستَقْبِلة بسبب  الأضرار الاقتصادية التي خلفتها الجائحة، ولا سيما   في الدول  الفقيرة  وذات الدخل المتوسط،  و التي تعتمد اعتمادا كبيرا على التحويلات التي يرسلها العمال المهاجرون إلى بلدانهم الأصلية،  كالمغرب ومصر وتونس .. لذلك، فإن المهاجرين  الأفارقة، ومنهم مغاربة العالم يمثلون مساهمة كبيرة في الاقتصادات

الوطنية الإفريقية .. إنهم يؤدون مهمة اقتصادية ذات توجه مزدوج الاستثمار والتنمية المشتركة .. وبالتالي، فالمهاجرون يعدون من بين أولى مصادر التمويل بالنسبة للأفارقة الذين يصل عددهم إلى نحو 150 مليون نسمة عبر العالم، وأن تحويلاتهم المالية تمثل أكثر من ثلاثة أضعاف مستويات المساعدة العمومية للتنمية والاستثمارات المباشرة في الخارج، الموجهة لإفريقيا جنوب الصحراء، حسب وزارة الخارجية المغربية،  وكما هو عليه الحال بالنسبة لمغاربة العالم، الذين يساهمون بنسبة مهمة في الاقتصاد الوطني بتحويلاتهم المالية ..  فحسب توقعات  بنك المغرب،     أن تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، وبعد ارتفاعها بنسبة 4,9 في المائة في 2020، يرتقب أن تشهد نموا هاما بنسبة 27,7 في المائة في 2021 لتصل إلى مبلغ قياسي قدره 87 مليار درهم، أي ما يقارب 7,4 مليارات دولار، وما يمثل 6,5 في المئة من الناتج الداخلي الخام

ومن جانب آخر، نؤكد  في المنظمة الديمقراطية للشغل، على أن  المهاجرين بالمغرب رغم  ضعف أعدادهم   فئة  لا تتجاوز  80  ألف شخص من مختلف الجنسيات،    أي لا تتعدى نسبة  0.33 % يمثل فيها الأفارقة  أقل من 40 في المائة،  يقدمون مساهمة  لا بأس  بها  في الاقتصاد الوطني

إن ملف  الهجرة الأفريقية  والمغاربة المقيمين بالخارج   -مغاربة العالم –  يحظي بالرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس بصفته رائدا للهجرة الإفرقية،  فضلا عن العناية  الخاصة التي يوليها جلالة الملك  لمغاربة العالم  في حماية حقوقهم  وتحسين ظروفهم في المهجر واثناء العودة للوطن

  ونغتنم هذه المناسبة العالمية  لنتوجه للحكومة الجديدة  لتضع بين أولوياتها  موضوع الهجرة واللجوء، في إطار إستراتجية وطنية  شاملة وسياسة إرادية  ومندمجة  شفافة وديمقراطية بمقاربة أفضل  لتنزيل الرؤيا  والتوجيهات الملكية في مجال الهجرة واللجوء  والعمل ببنود الميثاق العالمي من أجل الهجرات الآمنة والمنظمة والنظامية، المعتمد في مراكش عام 2018، والمساهمة  في تحسين أوضاع المهاجرين بالمغرب، وضمان حقوقهم الإنسانية،  والعمل على تسريع عملية الاندماج الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي للمهاجرين الأفارقة، و   السماح  لهم  القيام بتحويلات للأموال لدعمهم ودعم أسرهم المقيمة في بلدانهم الأصلية .. وذلك، من خلال مراجعة القوانين المتقادمة المتعلقة بالهجرة واللجوء،  و تحديد مخاطب وشباك وحيد  في المؤسسات الحكومية، وخاصة  وزارة الخارجية  والتعاون  الإفريقي  والمغاربة المقيمين بالخارج، بعد حذف شؤون الهجرة، ودعم المرصد الإفريقي للهجرة  ليلعب دوره كاملا في تنزيل الرؤية والمقاربة الملكية حول الهجرة الإفريقية في انتظار مأسسة مرصد وطني للهجرة، وإشراك حقيقي وفعلي مغاربة العالم في التنمية الشاملة، وخاصة منهم الشباب والخبرات و  الكفاءات، والاستجابة الفعلية لانتظاراتهم  و تطلعاتهم  في المساهمة في تنمية الوطن واستثمار مدخراتهم،   وإعادة النظر في مجلس الجالية المغربية بالخارج  كهيئة دستورية لتمثيل  حقيقي لمغاربة العالم،  و تعيين رئيس للمجلس يهتم حقيقة بشؤون مغاربة العالم، و دعم المهاجرين  للاستثمار الأمثل  لتحويلاتهم  المالية   و وضع إستراتيجية وطنية لاستقبال العائدين لإعادة إدماجهم  واستفادتهم من الحماية الاجتماعية، وإعادة إدماج الكفاءات منهم، والتي اختارت العودة للمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمغرب في المجالات العلمية والطبية والصناعية والتكنولوجيا الرقمية  والتعليمية والبحث العلمي و الابتكار، وفق  تقرير اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي،  وتحقيق الهدف 10 من أهداف التنمية المستدامة في أفق 2030

*الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق