أخبارمنبر حر

لماذا لا نُسمّي الأشياء بأسمائنا ..؟

 

بقلم: عبد الحفيظ بوبكري – باريس

تجولتُ في السنوات الأخيرة بين عدد من المدن الأوروبية ليس كسائح فحسب، بل كقارئ للمكان، ينظر للأشياء بعين المتسائل والباحث عن المعنى، لا بعين المُنبهر بالمظاهر فقط

لفت انتباهي في هذه المدن قدرة الأوروبيين على استحضار تاريخهم في تفاصيل يومهم .. أسماء الشوارع والساحات والمقاهي والمكتبات وحتى المحلات، كلها تحكي قصصًا عن شخصيات وأحداث صنعت هويتهم

لا يخلو زقاق من اسم شاعر أو فيلسوف أو عالم أو قائد أو حتى حدث مفصلي في تاريخهم .. الأمر ليس عبثيًا، بل هو اختيار واعٍ يُعزز الذاكرة الجماعية، ويجعل من الحياة اليومية امتدادًا للتاريخ

لكن، المفارقة المحزنة هي عندما أتجول في بلادي المغرب، أصدم بكثرة أسماء المقاهي والمطاعم والمتاجر التي تحمل أسماء أجنبية، أغلبها أوروبية: مقهى “فرنسا” او مطعم “ميلانو”، محل “إيبيزا” ومطعم “ألبا”، بل إن بعض الساحات والأزقة الجديدة أصبحت تُسمّى بأسماء لا علاقة لها لا بثقافتنا ولا بتاريخنا

سألت نفسي، مندهشًا: لماذا لا نسمي الأشياء بأسمائنا ..؟

لماذا لا نحمل هذا الفخر بتاريخنا وهويتنا إلى المجال العام ..؟

أليس من الأجدر أن نسمي مقهى باسم “الداخلة” أو معتركة ..؟

أو مطعمًا باسم ” فجيج” مثلا ..؟

أو زقاق باسم “فاطمة الفهرية أو ابن بطوطة” ..؟

أو مكتبة باسم “عبدالجبارالفجيجي او ابن خلدون” ..؟

أو اسماء امازيغية ..؟

تاريخنا، ولله الحمد، حافل بالشخصيات والأحداث التي تستحق أن تظل حية في ذاكرتنا الجماعية من ملوك وقادة، إلى علماء وأدباء، إلى معارك شكلت مفترق طرق في تاريخ الأمة .. لدينا ما يكفي من أسماء لنُعيد بها تشكيل خريطتنا الرمزية

من هنا، أقترح -بل أدعو- إلى إعداد دليل وطني يضم أسماء مغربية وعربية نعتز بها، مع شروحات مبسطة حول كل اسم يُوزع على أصحاب المشاريع الجديدة، خاصة في مجالات المطاعم والمقاهي والساحات الخاصة يمكن أن يكون هذا الدليل جزءًا من حملة وطنية تهدف إلى إعادة الاعتبار للذاكرة المغربية

تغيير الأسماء ليس مجرد مسألة شكلية، إنه عمل رمزي كبير، يُسهم في بناء الوعي وتعزيز الهوية خاصة عند الأجيال الجديدة

فحين يشرب شاب قهوته في “مقهى الداخلة”، أو يأكل طاجينه في “مطعم فكيك” أو يتجول في “ساحة عبد الكريم الخطابي”، فإنه -دون أن يدري- يُرسّخ في لاوعيه انتماءه إلى حضارة عريقة، ويشعر، ولو قليلاً، بالفخر

لنكن صادقين مع أنفسنا: لا أحد سيحكي تاريخنا إن لم نحكه نحن، ولا أحد سيُعلي من شأن رموزنا إن لم نفعل نحن ذلك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق