
بقلم – ميمونة الحاج داهي
سألني أحد المتابعين: من ترين الأجدر بقيادة الحكومة المقبلة ولأن السؤال وجيه، فقد فكرت كثيرا قبل أن أجيب، ليس لقلة الأسماء .. ولكن، لأن المناسبة اليوم تفرض ما هو أعمق من مجرد اسم
لم تعد المسألة تتعلق بشخص، ولا بحزب، ولا حتى بوعود انتخابية
نحن الآن في لحظة مفصلية، لحظة تجاوز فيها المغرب مرحلة السؤال عن الإنجاز، وبدأ يسائل نفسه: لمن يُنجز ..؟ ومن بقي خارج الصورة ..؟
الملك نفسه قالها بوضوح: هناك مغرب يسير بسرعتين .. الأولى هي سرعة المشاريع الكبرى .. الطرق السيارة ..
الموانئ .. خطوط التيجيفي .. المدن الجديدة
والثانية هي سرعة الإنسان، البطيئة المتعثرة، حيث تتأخر المدرسة، ويغيب الطبيب، وتتقلص فرص الشغل، ويضعف الإحساس بالكرامة .. لكن، ما لم يُقل، وأعتقد أنه جوهر اللحظة السياسية اليوم، هو أن المغرب لا يحتاج فقط إلى توحيد هاتين السرعتين، بل إلى إنتاج سرعة ثالثة
وسرعتنا الثالثة، كما أراها، لا تتعلق بالميزانيات ولا بالتقارير، بل تتعلق بالوعي السياسي لمن في الحكم
نحتاج إلى من يفهم أن المشاريع لا تكتمل إن لم تصل ثمارها إلى الجيوب والقلوب
نحتاج من لا يتباهى بعلاقاته مع المستثمرين، ولا يخلط منصبه الحكومي مع مصالحه التجارية، من لا يحتفل بمرسيدس الوزارة، ولا يجعل نجاحه الشخصي (في تعليم أولاده بالخارج مثلاً) معيارا لإنجاز دولة
نحتاج من لا يتحدث عن “قضايا الشعوب” أكثر من حديثه عن أبناء جماعة في نواحي فم ازكيد أو بولمان
نحتاج من لا يتكئ على تاريخ عائلته، ولا من يبيع الشعارات
لا نحتاج من تستوزر لتمرر صفقات في جيوب عائلتها
لا نحتاج من يبحث عن ولاية رابعة ليزيد حجم رصيده في البنك
بمعنى أوضح: نحتاج إلى رجل دولة، لا مجرد رئيس حكومة
نحتاج من يدرك أن المؤسسة الملكية، رغم رمزيتها ودورها التاريخي، لا يمكنها وحدها أن تخلق السرعة الثالثة
المؤسسة الملكية، بما تحمله من استمرارية وشرعية، تحتاج إلى شريك: سياسي وطني، مدنيّ الإرادة، له امتداد شعبي، وجرأة في الفعل، وصدق في النية
هل من الصعب إيجاد هذا الشريك ..؟
ربما .. لأن من يهيمنون اليوم على المشهد، يتصرفون كأن الحكم غنيمة، و ليس مسؤولية، بين من يشتغل بـ”الكوطة” و”الريوع”، ومن يحركه هوس البقاء السياسي ولو على حساب المصلحة العامة
ومن يرى في رئاسة الحكومة مناسبة لتوسيع أعماله، بدل حل مشكلات المواطنين
تضيع فكرة الشراكة، وتُغتال السرعة الثالثة .. لهذا، لا أطرح اسما .. لأن، الأسماء يجب أن تُسائل بالمعايير، بدل العواطف
هل هناك سياسي اليوم لديه القدرة على لعب دور الوازن الوطني ..؟
هل هناك من يمكنه أن يحاور المؤسسة الملكية بندية وطنية لا بتكلف المعارضة ولا بتزلف الولاء ..؟
هل هناك من يستطيع أن يربط العدالة الاجتماعية بالتنمية دون أن يجعلها مجرد شعار في برنامج تلفزيوني ..؟
إن السرعة الثالثة، ببساطة، هي المشروع السياسي الذي لم يُنجز بعد ..
هي الجواب على سؤال: كيف ننجز المشاريع الكبرى ونحمي الإنسان الصغير في الآن ذاته ..؟
هي المنهج الذي يرى أن العدالة ليست صدقة، بل ركيزة استقرار، وأن الاستثمار لا يُقاس بعدد التوقيعات، بل بمدى احترامه لكرامة العامل
هي الميثاق الجديد بين الدولة والمواطن، بين المؤسسة والمجتمع، بين ما ينجز وما يحس
وفي غياب هذه السرعة .. سنبقى في ثنائية قاتلة: سرعة تسبقنا، وسرعة تُقصينا
والسؤال الكبير سيظل معلقا: من سيقود المرحلة القادمة ..؟
جوابي: ليس بالضرورة من نراه على الشاشة، بل من تُولد به السرعة الثالثة