أخبارالصحة

اعتصام القابلات باليوسفية مرآة عاكسة لأزمة إنسانية وصحية بنيوية

 

 

ذ. يوسف الإدريـــسي

حين تجد القابلات ومعهن أطر صحية مضطرات إلى الاعتصام داخل قسم الولادة بالمستشفى الإقليمي (لالة حسناء) باليوسفية، فذلك عنوان صريح لأزمة صحية عميقة تمس كرامة المواطن، بل تعترض حتى على حقه في الوجود معنا في هذه الحياة

المفارقة الصادمة، أن من يفترض أن تقدمن الخدمة الطبية أصبحن تستنكرن بدورهن على مسؤولي الوزارة، حتى لا تتركن في مواجهة مصيرية مع المرتفقين ومع حيوات الأمهات والأجنة على حد سواء

الأكيد، أن هذه الصورة غير طبيعية، بل تلخص حالة التدهور المزمن التي يعرفها القطاع الصحي في إقليم اليوسفية

وغياب طبيبة التوليد وتعطل خدمات الولادة ليسا سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد، أما القاعدة فهي حرمان يومي يعيشه السكان في سبيل الحصول على أبسط أشكال العلاج، بدليل أن التقرير الإحصائي لسنة 2024، -وقد ذكرت هذا الأمر في مقال سابق-، كشف أن مؤشر الصحة في الإقليم يسجل حرمانا يتجاوز 26.4 %، وهو رقم خطير يترجم معاناة آلاف الأسر مع غياب الأطباء ونقص الدواء وتعطل المرافق الصحية .. وغالبا ما تكون الوجهة الاعتيادية للعلاج هي مدينة مراكش، حسب ذات التقرير، بما يعنيه ذلك من أعباء مادية ونفسية على الساكنة

المؤشرات الإحصائية لا تكذب، كما الواقع هو أيضا لا يمكنه أن يكذب، فحين يتم ترك إقليم بكامله في مواجهة خصاص هيكلي في الموارد البشرية الطبية، وحين يتم اختزال الرعاية الصحية في حلول ترقيعية وتدبير يومي للأزمة، فإن النتيجة الطبيعية هي مشاهد عبثية؛ قابلات معتصمات، بدل حوامل محتجات ومرضى ينتقلون عشرات الكيلومترات من أجل علاج ودواء، وأمهات حوامل بين خيارين أحلاهما مر

الولادة في ظروف غير آمنة (ولادة حديقة المستشفى كما يتذكرها اليوسفيون) أو السفر إلى مراكش بحثا عن فرصة للنجاة، (قصة زوجة يوسف ابن حي التقدم) الذي قام بتوليد زوجته بنفسه بين هضاب جماعة (قطارة) قبل أن يصلوا إلى المستشفى الجامعي بمراكش

باختصار شديد، وبفرط ما كتبت عن هذا الموضوع، لم أعد أستطيع الكلام أكثر، سوى التأكيد مجددا عن أن الصحة بالإقليم ليست امتيازا يمنح، بل حقا دستوريا مكفولا، وأي تأخير في الوفاء به هو تواطؤ مع معاناة لا تنتهي .. والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق