ملفات و قضايا

الوزير الوفا والإصرار على الاستخفاف بمعارضي تحرير الأسعار

ترى من ماذا يستمد الوزير محمد الوفا هذه القوة التي يستعرضها على معارضي تحرير الأسعار، وخصومه في حزب الاستقلال وغيره إلى الدرجة التي ترجمها بقوله: “اللي عندو شي شغل يمشي يقضيه” فهل نحن أمام مسؤول حكومي لا يعترف بوجود من يعارضونه على تجاوزاته وأخطائه ..؟ أو أننا أمام وزير يمتلك سلطات فوق ما هو منصوص عليه في الدستور، أوأننا أمام وزير حول وزارته إلى ضيعة يتصرف فيها كما يحلو له ..؟ أو أنه يستطيع أن يفرض قراراته متى شاء ..؟ أو أنه “سوبير وزير” في حكومة عبد الإله بن كيران ..؟ وأنه مصمم على إنجاز نصائح المؤسسات المالية الدولية، مهما كانت ردود الفعل ضدها، كتوظيفه لقانون المقايسة الذي يعتمد عليه ..؟
إننا لا نر في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة في “تبوريدة” الوزير الوفا إلا الانسجام في سلوكاته السلطوية المتخلفة التي كان يتباهى بها في النسخة الأولى من الحكومة، حينما كان مسؤولا على وزارة التربية الوطنية، والتي كان يجهر فيها بأنه (جلاخة) بامتياز، سواء ضد الموظفين أو المواطنين، وأنه لا يخش ولا يتورع في تطبيق سياسته مهما كانت المواقف المضادة لها، وإنه على استعداد لمواجهة معارضيه مهما كانت مواقفهم ومواقعهم، سواء في المؤسسات أو الرأي العام .. وبالتالي، أنه حينما يصمم على إنجاز وتطبيق أي قرار لا يهمه من سيكون ضحية منظوره السلطوي التدبيري المتخلف، الذي لا يوافقه عليه زملاؤه في التحالف الحكومي.
إننا نستخلص من تمادي السي الوزير الوفا في هذا النموذج من السلوك الحكومي إلا شعورا منه بالدفء والدعم لسلوكاته التي اتضح فيها بالملموس أنه (جلاخة) فعلا، كما كان يصرح بذلك حينما كان وزيرا للتربية الوطنية، أثناء زياراته التفقدية للمؤسسات التعليمية، وأنه لا ير أي اختلاف أو تغيير في الوزارة الجديدة التي أسندت إليه في النسخة الجديدة من الحكومة الحالية، التي تبين أن التجمع الوطني للأحرار الذي انخرط في الحكومة الحالية لاستكمال ما تبقى من هذه السياسة الاقتصادية الليبرالية المتوحشة، التي أتت بقراراته اللاشعبية على ما تبقى من قوة شرائية للمواطنين، والتي تتوج اليوم بالتحرير الكامل لأسعار المحروقات، التي سيكون لها من العواقب والمساوئ ما لا تستطيع هذه الحكومة تبريره أو الدفاع عنه.
من حقنا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، أن نسائل وزراء هذه الحكومة، الذين يصرحون في أي مناسبة بأنهم يبحثون عن ما يكرس الجودة والحكامة الجيدة، سواء في القطاعات الإنتاجية أو الخدماتية، هل يتوفرون على ما يمكنهم من الاحتماء بهذه الشعارات التي لا أحد في المجتمع يعارضها على مستوى الرؤيا التنموية والوسائل التي توجد رهن إشارتهم لترجمة هذه الشعارات ..؟ وهل يتوفر الاقتصاد والمجتمع على شروط تطبيقها في ظل العلاقة المرضية السرطانية التي يوجدان عليها في الظرف الراهن ..؟ وهل يملك أي وزير في هذه الحكومة ما يستطيع به إقناع المعارضة والرأي العام بجدوى وعناصر النجاح التي تتميز بها سياسته العمومية القطاعية المسؤول عنها ..؟ وهل وزراء هذه الحكومة يدركون مخاطر هذه السياسة التدبيرية على ثقة المواطنين في الأداء الحكومي والبرلماني وفي العمل السياسي بصفة عامة ..؟ وهل رئيس الحكومة راض عن حماقات بعض وزرائه في تدبير الشأن العام كما يترجم ذلك اليوم الوزير الوفا ..؟
نحن في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، لا ندافع عن وجهة نظر من تخندقوا في المعارضة السلبية ضد الحكومة منذ انتخابها، بقدر ما نتمترس كجزء من الرأي العام الوطني الذي يعبر عن قناعته في استقلال وحياد تام عن بقية الأطراف التي تمارس المعارضة للأهداف التي تخدم مصالحها الحزبية والنقابية الضيقة، وحتى إن التقت مواقفهم مع وجهة نظرنا فهذا لا يعن بالضرورة أن هناك تنسيق بيننا على معارضة ومهاجمة السياسة الحكومية، وحتى لا يصنفنا هؤلاء أو غيرهم، نقول للوزير المعني بانتقادنا لسياسته بصفة مباشرة أن الاستغراق في هذه السياسات العمومية لن يمكن الحكومة من تحقيق التوازن في الميزانية، ولن يخفف من ضغط المديونية الداخلية والخارجية، ولن يحقق الحكامة الجيدة في القطاعات الإنتاجية والخدماتية، ولن يمنع اقتصاد المغرب من التأثير بنتائج الأزمة المالية العالمية، ولن يخفف البتة من ضغوطها على واقع معيش القاعدة العريضة من فقراء وكادحي الوطن، الذين تراجعت قدراتهم على مقاومة مساوئ هذه السياسات الاقتصادية العمومية التفقيرية التي يطبقها وزراء هذه الحكومة بدون استحضار تداعياتها الكارثية التي سيكون من الصعب احتواؤها إذا ما راهنت الحكومة على مواصلة الالتزام بها مهما كان الثمن وحجم الخسارة
إن المهنجية التي يتعامل بها الوزير الوفا مع جميع المهنيين والفاعلين الاجتماعيين والإعلاميين في هذه الفترة توضح لمن لا يزال يراهن على تغيير الأداء الحكومي نحو ما يترقبه الجميع أنه واهم، وأن هذه الحكومة وفية لمن يوفرون لها الوسائل التمويلية للبرنامج الحكومي الذي تسهر على تنفيذه، حتى وإن أصبحت جل أهدافه في لائحة الموتى، الذين لن يتمكنوا من استعادة الروح والحركة، فبالأحرى القدرة على التطبيق، سواء على المدى القصير أو البعيد، ولو في ما تبقى من عمر هذه الحكومة الانتخابي الراهن، ولعل “تبوريدة” الوزير الوفا تشرح بالملموس حقيقة هذا الانزلاق والإفلاس الذي أصبحت عليه السياسة الحكومة التي عجز صقور الأغلبية على الاستمرار في الدفاع عنها، سواء في البرلمان أو خارجه، ونعتقد في النقابة أن استمرار الوزير في (جلاخته) يعود إلى الضعف الملموس في مواقف المعارضة التي سلمت نفسها للحكومة وأغلبيتها، ولم تعد قادرة حتى على الدفاع عن وجودها الشكلي، فبالأحرى مواجهة الحكومة بما يمنحه الدستور لها حتى تكون مواقفها في مستوى الموقع الذي يوجد فيه في الظرف الراهن.
لن نختم النقاش مع الوزير الوفا، أو مع غيره من وزراء حكومة عبد الإله بن كيران، فهو يعرف جيدا مستقبل هذه السياسة العمومية، التي يمارسها في القطاع المسؤول عنه، ولن ننوب عنه في الاعتراف بالفشل الكبير الذي أصبح عليه أداؤه الشخصي نتيجة تجاهل من يعارضه ويوجهه إلى مكامن الخلل، التي تتميز بها سياسته الحكومية، سواء حينما كان وزيرا للتربية الوطنية أو في الحقيبة التي أسندت إليه في هذه النسخة الثانية من الحكومة القديمة/الجديدة، وليعلم السيد الوزير المحترم أن الاستمرار في الأخطاء يؤكد على وجود مبررات لهذه الأخطاء التي أحيانا لا ينتبه إليها المريض، وخاصة المصاب بالأمراض النفسية التي قد لا يشعر بأعراضها الملموسة، ويتوهم انعدامها في سلوكه الذي يجسدها على أكثر من صعيد، وننصحه بالبحث عن العلاج حتى لاتتفاقم تداعياتها التي لا يشعر بها في الظرف الراهن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق