أحزاب و نقابات

عن تجارة الأصوات في واقعنا الانتخابي المغربي

CAISSE DE VERRE

تبين لكل الملاحظين للشأن البرلماني والجماعي والجهوي، أن ضعف الأداء في هذه المؤسسات يعود إلى خلفيات وصول الوافدين عليها من الأحزاب السياسية والنقابات والمجتمع المدني .. فجلهم لا يزال يؤمن بأن الطريق إلى الحكومة والبرلمان والمجالس الجماعية والجهوية لا يمكنها أن تكون بالطريق النظيفة والنزيهة، وإنما عبر الفساد الانتخابي المتمثل في شراء أصوات الناخبين بكل الطرق المتاحة، التي يستغل فيها الفقر والهشاشة والبطالة والمرض، لتأمين من يستطيع أن يدفع للمختصين في الحشد والتجنيد الانتخابي، ويعكس النجاح المتكرر للمرشحين الكبار في الانتخابات التشريعية والجماعية هذه هي الحقيقة، حيث يحرص هؤلاء على مساندة من يعرفون عن قرب المواطنين في الدوائر الانتخابية، حيث أصبحت الدوائر احتكارات ثابتة لبعض البرلمانيين والمستشارين الجماعيين من خلال الوظائف التي يمارسها الوسطاء في هذه الدوائر، التي يصعب أن ينجح فيها الذين يريدون منافسة المتحكمين فيها، حتى وإن تطورت وسائل المراقبة والتدخل من قبل جميع السلطات.

يخطئ من يعتقد أنه بالإمكان منافسة تجار الانتخابات، الذين أصبحوا أكثر وعيا وخبرة بشروط النجاح في الانتخابات في الدوائر التي فازوا فيها، خاصة الأحزاب التي تفتقر إلى القاعدة الشعبية وإلى دعم الطبقة المتوسطة، حيث لم يعد الخطاب الانتخابي في البرنامج الذي يوجه الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني في علاقاتهم مع الناخبين، وإنما أصبحت القدرة المادية والنشاط المبكر للمرشحين في الدوائر التي يسيطرون عليها بنفوذهم المالي والاجتماعي، وهذا ما يفسر تراجع نسب النجاح بالنسبة للأحزاب والنقابات التي تراهن على نزاهة كل مراحل العملية الانتخابية، كما حدث للأحزاب التي كانت حتى عهد قريب تمتلك قواعد جماهيرية كبيرة في المدن، كالاتحاد الاشتراكي، الذي فقد نفوذه الانتخابي في جميع المدن العمالية، إلى جانب بقية أحزاب اليسار القديمة والحديثة، وبنفس نسب الفشل تزايد تطور نفوذ الأحزاب التي تعتمد على الفساد الانتخابي في الظفر في جميع العمليات الانتخابية، وفي المناطق التي كانت محسوبة على القوى الحزبية والنقابية الوطنية والديمقراطية والتقدمية، كحزبي الاتحاد الدستوري والتجمع الوطني للأحرار.

ما نراه في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، حول المشهد الانتخابي، أنه بدون استئصال الفساد الانتخابي سيظل المشهد يفرز هذه الكائنات الانتخابية العاجزة عن ممارسة وظائفها في جميع المؤسسات التي تنجح فيها، كما أنه بدون تشجيع النخب المحيلة على العمل السياسي والنقابي والمدني سيظل واقع المؤسسات التي تنتخب من سيكونوا في الأغلبية المسيرة أو المعارضة بهذه المواصفات الدونية التي لا تشرف أحدا، ومن العبث تصور الواقع المؤسساتي والانتخابي في الوطن، بدون حلول جذرية تستهدف قلاع الفساد السياسي واستغلال النفوذ الطبقي التي دخلت المشهد الانتخابي للدفاع عن مصالحها، وليس للدفاع عن مطالب ناخبيها الذين لا يوجد من يحم أصواتهم خلال العمليات الانتخابية، وإن أردنا القضاء على الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي فالطريق إلى ذلك، هو تغيير أداء الأطراف الحزبية والنقابية والمدنية أولا، والحرص على التنافس في العمليات الانتخابية، والضرب بيد من حديد على كل السلوكات المتجاوزة للقانون، وضرورة نزاهة العمليات الانتخابية حتى نتمكن فعلا من فتح الباب أمام النخب القادرة على ممارسة مهامها في الحكومة والبرلمان والمجالس، وفق تطلعات عموم الناخبين المجردة من أي تأثير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق