كلمة النقابة

احذروا ملايين المسابقات التلفزيونية ..!

الإعلام العمومي يحمل رسالة نبيلة .. ويعمل على نشر الوعي وتكريس لغة الحوار والتواصل، ما يجعله يحظى بأهمية كبيرة في الحياة والمجتمع .. ولهذا نجد تلفزيونات العالم، تعمل جاهدة على بث برامج ترفيهية ممتعة ومتنوعة، وتبرمج حوارات واسعة ومختلفة .. ومسابقات تحمل في طياتها فوائد ودروس مهمة .. ولا تدخر جهدا في سبيل انتقاء أفضل المسلسلات والأفلام الهادفة، التي ترضي أذواق أفراد مجتمعاتها، إلا في مجتمعنا المغربي .. رغم التغييرات التي أحدثت مؤخرا، فإن ثمة مفارقات عجيبة وغريبة، تدعو إلى الدهشة والاستغراب والاستهجان، مفارقات .. “تعج” بها وسائل إعلامنا العمومي المغربي التي أصبحت تداعب أحلام النظارة، وتعطي لضعاف النفوس الأمل في الثراء، بحيث لا يمكن لأي متتبع إلا أن يخرج بنتيجة واحدة، هي أن بعض البرامج لم تزدد إلا سوءا، ولم يزدد منشطوها ومعدوها إلا إمعانا في الضحك على الذقون، خلافا لما تقوم به الفضائيات الأخرى الأجنبية، التي تحترم المشاهدين وتقدم لهم مواد مميزة، متجلية في العديد من الأعمال الناجحة، والبرامج المختلفة والمسابقات المفيدة والقيمة التي تحظى بمتابعة المشاهد المتعطش للثقافة والفن والأدب والعلم، وبعيدة كل البعد عن ما تسلكه قنوات القطب العمومي ببلادنا الموزعة للملايين بسخاء حاتمي، التي لا نجد في برامج مسابقاتها على الخصوص إلا عامل جني الأرباح، معتمدة على طرح أسئلة سهلة إلى حد السذاجة، لدفع أكبر عدد من النظارة إلى إرسال الكثير من الرسائل النصية التي تتضمن الإجابات، أليس هذا استخفاف بعقل المواطن المغربي، ضف إلى ذلك ما يواكب هذا من ضياع للوقت الثمين، في اعتقاد منها (القنوات) بأن هذا العمل بإمكانه جذب النظارة، وتحقيق نسبة عالية من المشاهدة، رغم أن المسابقات المذكورة تافهة ولا ترقى إلى أي مستوى، ولا تناسب تقاليدنا وعاداتنا .. لسنا هنا أصحاب هذا الرأي وحدنا، لكن معظم من يكتب له الجلوس أمام الشاشة الصغيرة، وخصوصا في أيام وليالي هذا الشهر الفضيل يشاطروننا ذلك.

جميل أن تبرمج القناتين مساحات خاصة بالمسابقات والتباري، التي من شأنها خلق التنافس والحماس بين جمهور المشاهدين، فيما يعود عليهم بالفائدة، وما ينور عقولهم ويزيدهم أفكارا تكون لهم عونا في هذه الحياة، لأن وسائل الإعلام في الدول التي تحترم الشعب، عادة هي التي تعمل على تعبئة الرأي العام الوطني، وتجدد أساليب عملها لترفع مستواه الثقافي وتطور أوضاعه الاجتماعية.

وليس بالجميل أبدا، أن تبرمج للمواطنين مسابقات يسيل أمامها لعابهم وتثير شهيتهم للربح (…)، الشيء الذي يجعلهم صيدا سهلا في أيدي مقتنصي الفرص، الذين يبحثون عن مختلف الطرق المؤدية إلى السطو على جيوب العباد، واستنزاف أرزاقهم، بدعوى أنهم بمجرد اتصالهم عبر رسالة نصية .. سيحصلون على جوائز مهمة، والتي يبقى علم حقيقتها عند اللـه.

وإذا سلمنا أن الغرض من المسابقة هو تنوير الرأي العام بالدرجة الأولى .. و جعله يستفيد ويضيف إلى معلوماته ما استجد من حوله في جميع الميادين، عملا بأن كلما كانت المعلومات ملائمة للمشاهدين على اختلاف مستوياتهم وأعمارهم، كلما ازدادت فائدتها، وهذا يتطلب بطبيعة الحال ابتكار أساليب مناسبة من قبل وسائل الإعلام، وفي هذا المضمار، كيف يفسر القائمون على هذه المسابقات التي أصبحت قنواتنا تعتمد عليها في جل أوقات بث برامجها، ما تفعله بعقول العباد، الذين تشدهم الإغراءات الواهية التي توحي لهم بالحصول على جوائز مهمة دون بذل أي مجهود يذكر، من خلال طرح أسئلة سهلة وسخيفة، ولا تليق البتة أن تقدم حتى إلى معشر أطفال المستوى الأول من التعليم الأساسي، فبالأحرى إلى نظارة يبحثون عن الاستفادة، ومعظمهم من الشباب المتعلم الحاصل على الشهادات العليا، والباقي (من السكان) لا يستهان بتجاربه في الحياة، إذن لماذا تطرح على هؤلاء أسئلة لا تمت للثقافة ولا للأدب أو الفن بصلة ..؟ ولماذا يسمح مبرمجوها أساسا لنفوسهم بالضحك على ذقون الناس، ودفعهم إلى الرمي بأموالهم تحت طائلة الإغراء .. ؟ مع العلم أن ما تحويه طرق هذه المسابقات يخالف الشرع والدين الحنيف، لأنها أصلا تهدر المال والوقت فيما لايفيد .. ولاشك أن الكثير من الأسئلة البسيطة الساذجة التي تطرح، وتسيل لعاب الطامعين في الربح بالطرق السهلة، لا يرجى من ورائها أي نفع، اللهم إلا تجزية للوقت، وكثيرا ما طرح المراقبون عدة تساؤلات عن مدى صدقية هذا الربح .. ألا يعد هذا إغراء يراد به أكل أموال الناس بالباطل..؟

نعم .. أيها المسؤولون عن برامج المسابقات في التلفزيون، إنكم بأسئلتكم هاته تضحكون على العباد، بل تحتقرونهم، وتسطون على ما في جيوبهم، فاتقوا اللـه في مواطنيكم ولا تتلاعبوا بعقولهم، وارحموهم وقدموا لهم ما يفيدهم، لأن وسائل الإعلام من واجبها أن تكون النبراس الذي يضيء الطريق، وليس وسيلة لفسح المجال للمتطفلين لتعلم الضحك على المشاهدين، نرجو أن تلتفت الجهات المسؤولة عن هذه البرامج التي هي في الحقيقة لا تقدم أي نفع للمشاهدين، اللهم إلا الخسران الدنيوي والأخروي .. والأمر الذي يدفع المرء إلى الاستغراب، هو أن الجهات التي بيدها زمام الأمور في هذا البلد الأمين، تقف وقفة المتفرج على أموال الناس تسلب منهم دون وجه حق، وهي (الجهات) المفروض فيها حماية المواطنين من هذه الهجمات الشرسة من برامج المسابقات الساذجة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق