للمستقلة رأي

الشعوب تتحدى دائما أمراضها يا مدير نشر المساء

DAMOUNE

 

من أمراض الطفولة المتأخرة التي تجسدها النخب التي وصلت درجة الشره والنضج في إصدار الأحكام الجاهزة على الشعوب التي تنتمي إليها، ما عبر عنه مدير نشر جريدة المساء مؤخرا، في الحيز المخصص على صدر أسفل الصفحة الأولى من الجريدة، حينما يتحدث عن ردود فعل المجتمع اتجاه بعض الظواهر السلوكية الشاذة، كما حدث لمثليي فاس والفتاة التي لبست “التنورة” في أسفي ليخلص من أن الانشغالات الرئيسية للشعب لا زالت في القضايا التافهة، ومن أن الاشتغال المجتمعي على القضايا الكبرى لا يزال محدودا في انتظار وجود بوادر الاستعداد الحقيقي لذلك.

في اعتقادنا فيجريدة المستقلة بريس المتواضع طبعا، لا أحد يزايد عليك يا مدير نشر يومية المساء في أن تكون لك قناعاتك الخاصة التي تتميز بها في ممارستك المهنية، انطلاقا من الإيمان القوي بالقيم الكونية التي نناضل جميعا من أجل تكريس شرعيتها، غير أن مساحة هذه الحرية الشخصية المقدسة تتوقف حينما تريد مصادرة حرية الآخرين، ولعلك تدري مؤكدا مثلنا أنه لا سلطة لنا على المجتمع في الثوابت والمطلقات التي يؤمن بها، سواء كنا موافقين عليها أو رافضين لها، وخصوصا في الشروط السوسيوثقافية واقتصادية وسياسية لمجتمعنا المغربي، التي تلزمنا بعدم المغامرة في الاقتراب من الحدود المكهربة، التي تصون هذه الثقافة المجتمعية السائدة التي لانختلف معك في مساهمتها في شرعنة كل الظواهر المرضية المهيمنة على مجتمعنا.

بالفعل، أنت حر في اختياراتك وقناعاتك الشخصية، وفي التعبير عن وجهة نظرك، وفي الدفاع عنها حتى وإن كانت تخصك، لكن أن تنتقد بها ما يوجد عليه العقل الجمعي السائد، فهذا موضوع يحتاج إلى الاحتياط والحذر من الوقوع في الأحكام الجاهزة، التي لا تكون دائما صحيحة ومقبولة، ولا شك أنك تدرك جيدا من أن الشعوب تتحدى أمراضها دائما في الوقت الذي لا يستطيع الأفراد القيام بذلك، من دون شك أن ذاكرتك لا زالت حية وتحتفظ بالكثير من الشهادات التي تؤكد على قوة إرادة الشعوب، ومنها الشعب المغربي الذي تنتمي إليه، ولست في حاجة إلى من يعيدك إلى جادة التفكير المنطقي والموضوعي والسليم في مثل هذه القضايا.

إن الشعوب مهما اعتقد خصومها وجلادوها أنها لا تملك حرية إرادتها، تستطيع التحدي على أمراضها التي تظل مجرد فترات عابرة في تاريخها وتطورها الذي لا يتوقف من مفعول الجدلية والصيرورة التي تتحكم في هذا التطور الحتمي والمطلق.

وفي هذا الإطار، لاشك أن هذا الاشتغال المجتمعي على السلوكات الشاذة في فاس وآسفي، الذي اعتبرته جوهريا، ليس في إطار هذا التحول الهائل المفتعل في أسبابه ونتائجه ما يمكن أن يجعلك تستسلم لمفعول ما حدث اتجاه هذه القضايا الجزئية، التي لا تشكل الموضوعات التي يجب أن تشتغل عليها في عملك الصحفي اليومي، وما أكثرها إن كنت تريد أن تشارك في معركة محاربة الوعي الزائف والهامشي، الذي تحاول الطبقة المهيمنة على المجتمع الدفع به لإيقاف زحف الوعي التنويري والديمقراطي والإنساني في المجتمع، حتى لا تتعرض مصالحها للخطر من ردود فعل المقهورين التي لامفر منها في يوم من الأيام.

إن العيب الواضح في وجهة نظرك يا أخ عبد اللـه الدامون، هو عجزك على مواجهة انطباعاتك السوداوية التي ترغمك على الاجتهاد بمثل هذه الخلاصات، التي تصنف بواسطتها ضمن ضحايا الوعي السلبي الخرافي السائد، والعاجزين على امتلاك الشجاعة في الاعتراف بسلبية الموقف، والممارسة اتجاه ما يجري في مجتمعهم من تغيرات غير طبيعية، بقيادة التتار المحافظ الذي يريد ترسيخ التخلف والقهر في المجتمع لفائدة من يمولونهم من وراء الجدران، حتى لا يتمكن المجتمع من تحقيق التحرر والتنمية والديمقراطية التي نتطلع إليها، وننصح الأخ مدير نشر جريدة المساء اليومية بعدم الانحياز إلى من يريدون قهر المثقفين وإجبارهم على الاستسلام لإيديولوجية هؤلاء التتار الجدد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق