للمستقلة رأي

التعقيد الإداري وما يجره من ويلات للمواطنين المغاربة

الوزير حصاد

المستقلة بريس / متابعة

تعد الإدارة مرآة لتطور سلوك أفراد المجتمع، وبواسطتها يطل على نضج نمو ذكاء الشعب الذي تربطه علاقة مباشرة بإدارته .. وهذه العلاقة هي التي تحدد قيمة المواطن في بلده، ومدى فعاليته في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية .. وهكذا، فإن الإدارة هي وسيلة فعالة للمساهمة في تطور وعي المواطنين من خلال السلوكيات التي تفرضها، ومنها على سبيل المثال، الثقافة الإدارية التي يجب أن يتحلي بها الموظفون، وتربية الناشئة على هذه الثقافة، الشيء الذي يسمح بتكون اقتناع بهذه السلوكيات، التي من شأنها أساسا تخفيف العبء الثقيل على المواطنين، سواء من حيث المدة الزمنية، أو من حيث إعفائهم من كثرة المصاريف وتعدد الوثائق، أوعلاقتهم مع المسؤولين، المدعوين بالدرجة الأولى إلى تحديد المسؤوليات، وإعطاء تعليمات لتسهيل العمل الإداري، من أجل ضمان الراحة للذين هم في حاجة لقضاء أغراض معينة يحتاجونها في الجهاز الحكومي .. بدل الخروقات التي ينهجها بعض أفراد الإدارة، الذين يستغلون مناصبهم، ونفوذهم أثناء ممارستهم لمهامهم، والذين يتعاملون بأسلوب الزبونية التي تخلق الامتيازات بين أبناء الوطن، كإعطاء الأولوية لجنس دون آخر، أو تفضيل شخص على شخص لحاجة في نفس الموظف المسؤول، ما ينتج عنه نفور وكراهية لدى المواطنين، الذين يتم إخضاعهم بسبب الأمية المتفشية في المجتمع المغربي واللاوعي إلى رغبات أولائك المستغلين .. العناصر التي تجعل العلاقة بين المواطن والموظف تتحول من عمل شريف إلى ضاغط ومضغوط عليه بواسطة وسائل وطرق مختلفة، وعوامل قد تفقد العمل الإداري محتواه النبيل، وتحوله إلى مجرد عمل خسيس يجلب أثارا وخيمة على المجتمع، فيصبح مجرد التفكير في الذهاب إلى إدارة ما .. من أجل قضاء غرض ما، بمثابة كابوس يقلق راحة المواطن ويقض مضجعه، وقد يمثل له في غالب الأحيان أنه ذاهب إلى الجحيم .. لأن طلب وثيقة إدارية من حق المواطن الحصول عليها يصبح أمرا عسيرا ومملا للغاية، وهذا ما يجعل المواطن ينفر من سماع كلمة ( إدارة ) ويعمل بالمثل القائل “كم حاجة قضيناها بتركها”، في الحقيقة، ما أحوجنا لثقافة التسهيل والتيسير والرحمة بالناس، وليس إلى أسلوب التعقيد والتعسير، الذي يتنافى وروح تخليق المرفق العام والارتقاء به إلى المستوى المطلوب.

ونظرا لأهمية موضوع الإصلاح الإداري بالمغرب في الوقت الراهن، هذا الإصلاح الذي ينشده الجميع، والذي في الحقيقة ما زال يراوح مكانه، وفي أحسن الأحوال يشق طريقه بخطوات هي أقرب إلى خطوات السلحفاة، وفي الوقت الذي نحلم فيه جميعا بما يسمى (الحكومة الإلكترونية) لإنهاء التعقيد والروتين الذي تعرفه إداراتنا، وما يتطلبه العهد الجديد لمواجهة تحديث العصر .. نجد أن هذا الإصلاح لم يرق بعد إلى المفهوم الجديد للسلطة، الذي أعلن عنه جلالة الملك محمد السادس دام له النصر والتمكين في خطابه السامي بالدار البيضاء سنة 1999، والذي ينبني على رعاية المصالح العمومية والشؤون المحلية، والحريات الفردية والجماعية وعلى صيانة الحقوق، وعلى مكاتب مفتوحة في وجه المواطنين ..  والدليل، أنه في ظل نظام محدد من طرف المشرع، فقد تتفتق من حين إلى آخر عبقرية بعض رؤساء المصالح ومدراء الإدارات، وباجتهاد لحاجة في نفوسهم، يعملون على وضع عراقيل تقف في وجه المواطنين، ولا تخدم البتة المصلحة العامة للبلاد، الشيء الذي تكثر معه رفع الشكايات والاحتجاجات، وتنتج عنه الاصطدامات، ويكمن هذا كله في السياسات المعتمدة في تعيين المسؤولين، الذين تفرزهم الزبونية، – وهنا لا نعمم – لأنه ليس الكل سيء، كما قد يعتقد البعض من متابعتنا هذه، فهناك رجال أحرار يتمتعون بنخوة ومروءة .. رجال تنبض قلوبهم بالوطنية الحقة، تراهم يبذلون المجهودات الجبارة من أجل إرضاء المواطنين، وأداء المهمة الملقاة على عاتقهم بمهنية وبتفان، تطبيقا لما جاء في الحديث المتداول عن رسول اللـه (ص) .. “يحشر قوم من أمتي يوم القيامة على منابر من نور يمرون على الصراط كالبرق الخاطف، نورهم تشخص منه الأبصار، لا هم بالأنبياء ولا هم بالصديقين ولا الشهداء، إنهم قوم تقضى على أيديهم حوائج الناس”.

وإذ نتناول اليوم هذا الموضوع، فإننا نريد أن نذكر- مادامت الذكرى تنفع المؤمنين- ونثير بالمناسبة انتباه المسؤولين لبعض المشاكل التي تعاني منها الإدارة المغربية، والتي أصبحت متعددة ومتشعبة، ويمكن تحديدها بصورة إجمالية في ثلاثة نقط أساسية مرتبطة ببعضها البعض .. فمن جهة، هناك التعقيد الذي تعرفه مساطر الإدارة، ومن جهة أخرى هناك بطء سيرها، وهناك كذلك الموظف الذي يفرض سيطرته داخل الإدارة، ويعتبرها ضيعة في ملكه .. يتصرف فيها كما يتصرف صاحب الدابة في حبلها .. يطلقه متى شاء ويشده متى يشاء .. وتنبغي الإشارة هنا إلى المساطر المتبعة والتي يمكن أن يعاب عليها، هو كثرة الوثائق المطلوبة من أجل إنجاز (وثيقة واحدة) من جهة، ثم غياب التنسيق بين الجهات التي تجري أمامها هذه المساطر من جهة أخرى، فمثلا من أجل الحصول على “شهادة عدم الملكية” من إدارة الضرائب، يلزم طالب هذه الشهادة إحضار رزمة من الوثائق، بداية من طلب شهادة عدم الخضوع للضريبة العامة على الدخل بالنسبة للدخول العقارية ورسم السكن ورسم الخدمات الجماعية .. تصريح بالشرف مصادق عليه، ووثائق أخرى يضيق المجال لذكرها .. ناهيك عن ما تتطلبه هذه الوثائق من مصاريف قانونية وأخرى ما أنزل اللـه بها من سلطان .. ومن طلوع وهبوط وانتظار- وهكذا دواليك، ليصبح في الأخير المواطن متوفرا على وثيقة واحدة تسمى ” شهادة عدم الملكية”.

ونذكر هنا بنوع آخر من التعقيد، وهو ذاك الذي يهدف إلى استنزاف جيوب المواطنين، وإثقال كاهلهم بتكاليف وأعباء مالية، وهذه المرة يقع ذلك في غياب التنسيق كما سبقت الإشارة إلى ذلك بين مصالح المصادقة على الإمضاء ببعض الجماعات، بحيث أن كل مواطن يريد إجراء مصادقة على إمضائه، عليه أن يقدم إلى المصلحة المختصة نسختين من الوثائق المراد التصديق عليها، (الأصلية ونسخة منها) بحيث تتم المصادقة على النسختين ويستخلص ثمن التنبر عليهما معا، لتسلم في الأخير المصلحة واحدة للمعني بالأمر وتحتفظ بأخرى، وقد أثارت العملية تساؤلات عدة، مما شكك العديد من المواطنين في قانونيتها .. المستقلة بريس، في إطار متابعتها لهذا الملف المهم، جمعت عدة أسئلة طرحها المواطنون الذين تجمعهم علاقات مع الإدارات، مفادها، “ما الفائدة من الاحتفاظ بوثيقة في أرشيف مصالح المصادقة على الإمضاء يتحمل المواطن ثمن المصادقة عليها ..؟ ولماذا تعمل بعض المصالح بهذا النظام دون غيرها ..؟ ألسنا نعيش في بلد واحد يحكمه قانون موحد يسري على الجميع بدون أي استثناء ..؟ و .. و .. الخ”.

وخلاصة القول، أن جميع المشاكل التي يعاني منها الوطن، سواء في مجال التعليم .. الاقتصاد، الإدارة أو العدل، هي مشاكل ناتجة عن طريقة وضع الرجل الغير مناسب على هرم المسؤولية، – وهذا يلاحظ في العديد من الإدارات المغربية -، و نستطيع القول أيضا، بأن كل المشاكل التي تعرفها الإدارة ليس من الصعب معالجتها، فالحلول من الممكن إيجادها، إلا أن الشرط الأول والأساسي لذلك، هو أن تكون هناك إرادة سياسية حازمة، يكون من أهدافها الرئيسية وضع المصلحة العليا فوق كل اعتبار، وحث الموظفين على أداء وظيفتهم التي يتقاضون عنها المقابل من أموال الشعب، وفق ما يقتضيه الضمير المهني والواجب الإنساني، بعيدا عن سلك طرق ملتوية لقضاء أغراض الناس، وكل ما يرمي إلى ابتزازهم ودفعهم إلى تقديم إتاوات من أجل الحصول على حق يقره دستور البلاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق