أحداث دولية

أوربا وقضية النازحين العرب

1986

مع تدفق النازحين والمهاجرين إلى أوربا، وضعت هذه القارة في الاختبار اتجاه مسألة حقوق الإنسان التي تتصدر دساتيرها .. وخصوصا، أوربا الغربية المندمجة في إطار الاتحاد الأوربي .. فما تناقلته وسائل الإعلام عن ردود فعل الأوربيين اتجاه التدفق الهائل للنازحين من دول الشرق العربي يشير إلى تجاهل الكثيرين للالتزام بحقوق الإنسان، في الوقت الذي لم يتوقفوا فيه في مناهضة الأنظمة المستبدة، ولا يتأخرون في دعم منظمات المجتمع المدني المطالبة بالحرية والديمقراطية في المنطقة.

لم يعد بإمكان قادة أوربا التهرب من تحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية في التعاطي مع التدفق الكبير للنازحين العرب نحوها، وخصوصا نحو دول أوربا الغربية التي تتوفر على الآليات والقوانين والشروط التي يتطلع النازحون إلى امتلاكها، ويظهر في موجة الهجرة إليها وتوفرها على الوسائل المتاحة، كما أنها أحسن وجهة لاستقبال هؤلاء الهاربين من العنف الدموي والتدميري الذي تتنافس الأطراف المتصارعة على إحداثه ضد بعضها وضد الأنظمة السياسية في المنطقة، التي لم تعد قادرة على وقف الكوارث التي تعيشها من المعارضة المدعمة من الدول الإقليمية كقطر وتركيا مثلا.

ماذا يحدث إذن في أوربا التي يتجاهل رأيها العام اليوم معاناة النازحين إليها وهي القارة التي عانت من ذلك في الحربين العالميتين ..؟ ولماذا لا يزال البعض فيها مترددا في استيعاب النازحين الهاربين من ويلات الحرب في سوريا والعراق وليبيا ..؟ وهل الالتزام الأوربي بمنظومة حقوق الإنسان لا يعني مسألة هؤلاء المُهجرين بالقوة من دولهم ..؟ وإن لم تكن هذه هي العوامل المؤثرة، فما الذي يمنع دول غرب أوربا الغنية من الحسم السريع في قضية النازحين إليها الذين يحلمون بالفردوس الغربي ..؟

إننا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، نعرف أن أوربا في حاجة إلى الضوء الأخضر من أمريكا التي تقف وراء الأوضاع المضطربة في المنطقة العربية، إلى جانب قطر وتركيا والمملكة العربية السعودية وبقية دول الخليج بتعاون من اليمن حتى الصومال، ونعرف أن أوربا بإمكانها التعاطي الإيجابي مع النازحين إليها، خاصة ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، ونعرف أن أوربا أيضا بإمكانها استئصال أسباب التوتر في الشرق العربي إذا أرادت ذلك، خصوصا بريطانيا التي زرعت إسرائيل حتى لا يتمكن الشرق من الوحدة والاستقلال والتقدم.

إن أوربا الغربية تملك من الوسائل ما يسمح لها بمعالجة المشكل على جميع الأصعدة السياسية والحقوقية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأن المنطلق لاحتواء أزمة الشرق العربي في يد أوربا إذا ما صممت على ذلك وتحررت من الفيتو الأمريكي، ومن سيطرته على قراراتها الخارجية، وسيظل الامتحان الحقوقي مفتوحا لأوربا إذا ما حاولت التحايل عليه وإخضاع معالجة إشكالية النزوح العربي إليها بهذه المنهجية التي لا وجود لاحترام حقوق الإنسان فيها، ومن الطبيعي إن أرادت تجسيدها ودفاعها عن حقوق الإنسان أن تسارع إلى فتح حدودها للنازحين بدون قيد أو شرط، وذلك أضعف الإيمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق