منبر حر

مجرد رأي .. الزعيم النقابي-السياسي و شيخ الزاوية الحاكمان من قبرهما-الجزء الأول

 

EL KHADDARI 2

 

*محمد الخضاري

توطئة:

في اليوم الثاني من الامتحانات الموحدة الوطنية للبكالوريا، الدورة العادية 2014، أو اليوم الثاني لوجودي بالمركب السجني عكاشة، ليس كمعتقل، لكن كمراقب جودة إجراء امتحانات البكالوريا في الثانوية التأهيلية دار الإصلاح .. وأثناء أخذ قسط من الراحة وارتشاف كأس من القهوة، في مقهى يطل على البحر، تصفحت جريدة “الأخبار”. كانت الساعة تشير إلى الواحدة زوالا، مما أتاح لي الفرصة لقراءة ركن “شوف تشوف” تحت عنوان “التعاضد .. أو شي عاض فشي” .. قرأته ثم أعدت قراءته.
وأثناء وجودي بالمركب السجني تذكرت أيام الظلم التي اعتقل فيها الصحافي الجريء “نيني”، قلت في نفسي: “إن الصحافي الصادق والجريء في مهنة المتاعب، ليس بينه وبين السجن إلا أمتارا معدودات، إن لم يكن مقر سكناه الأصلي هوالسجن” .. بالطبع ليس هذا في البلدان “الديموقراطية وحرية التعبير”، بل في البلدان التي تتصيد الفرص و”تلبس” التهم والجنح كما تشاء ولمن تشاء.
ومرت سنة على “التعاضد .. أو شي عاض فشي” وما زالت التعاضديات والصناديق والأحزاب والنقابات على حالها، وما زال الارتباط الوثيق والزواج الأبدي لهذه التعاضديات والصناديق مع النقابات والأحزاب، زواج أبدي كرواية “الزوج الأبدي” للأديب الروسي الشهير فيودور دوستويفسكي.

_____________________

حسب اعتقادنا، كل عمل نقابي لا يمكنه أن يتحرر من ” السياسة” و”الفعل السياسي”، ذلك أن تعريف السياسة اصطلاحيا، هي “فن الممكن” (حسب الواقعيين) أو “دراسة العلاقات بين الطبقات” (في نظر الشيوعيين). من منا لا يعرف أن الإتحاد المغربي للشغل، كانت له علاقة حميمية، في بداية تأسيسه (20 مارس 1955)، مع حزب الاستقلال ..؟ ولولا هذا الأخير لما أصبح المحجوب بن الصديق زعيما للإتحاد .. ويعتبر حزب الاستقلال المؤسس الحقيقي للإتحاد المغربي للشغل حسب ذ. ظريف .. أما الحزب الشيوعي المغربي الذي يضم مغاربة وفرنسيين وجنسيات أخرى(تأسس 1943) فكان يسيطر على الاتحاد المغربي للشغل.
وهكذا ف”لكل شيء إذا ما تم نقصان” وقع أول انشقاق في الاتحاد المغربي للشغل (مارس 1960 ) فتكون” الاتحاد العام للشغالين بالمغرب”، تلاه انشقاق ثاني (28 نونبر1978) وتكونت “الكونفدرالية الديموقراطية للشغل بزعامة نوبير الأموي والتي ستنشق لتأسيس الفيدرالية الديموقراطية للشغل .. وللإشارة فإن الانشقاق الأول كان سببه التحاق قيادة الاتحاد المغربي للشغل بالاتحاد الوطني للقوات الشعبية المنشق نفسه عن حزب الاستقلال سنة 1959.
وبمبادرة من عبد الكريم الخطيب، وبناء على مرجعية إسلامية (“وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا”- قرآن كريم- بدلا من “عمال العالم اتحدوا”) وموازاة مع حزب الحركة الشعبية الدستورية الاجتماعية (الذي تحول اسمه إلى حزب العدالة والتنمية)، تم تأسيس الاتحاد الوطني للشغل سنة 1973 .. وفي سنة 1996، التحقت حركة التوحيد والإصلاح بحزب عبد الكريم الخطيب. وللإشارة، اتسمت علاقة هذه النقابات بالتوتر والمواجهة لا سيما في الإضرابين العامين،20 يونيو 1981 و14 دجنبر1990، وما زلنا نتذكر أيام الرصاص ودفن الجثث في غير المقابر. وهكذا، في العهد الجديد، منتصف التسعينات، فضلت النقابات الحوار بدلا من المواجهة العنيفة.
لكن لا بد من الإشارة، في تقديري وحسب رأيي و ملاحظاتي، أن أغلب المواجهات العنيفة والانفلاتات الأمنية كانت عفوية، إن لم تكن كلها، غير مؤطرة من لدن النقابات .. وقد سبق لي أن عشت، شخصيا، هذه الأحداث في مدينتي فاس(مقر سكناي سابقا) والرباط التي درست واشتغلت فيها لمدة تزيد عن عشرين سنة.
حول مقال “التعاضد .. أو شي عاض فشي” (صحبته) للصحافي نيني:
من منا لم يقرأ أن من بين المجالات السرية والجد غامضة: مالية وممتلكات النقابة وتسيير ومالية التعاضدية العامة للتربية الوطنية ..؟
من منا لا يتذكر أو يعرف أن عامل السكك الحديدية م.ب، القائد الأول للاتحاد المغربي للشغل، خطب، سنة 1959، بمناسبة المؤتمر الثاني للنقابة، أمام مئات العمال وقادة الأحزاب قائلا: “العمل النقابي لا علاقة له بالشعوذة والديماغوجية والكذب وليس، أبدا، وسيلة لتحقيق المطالب الشخصية “، بعد افتتاح خطابه الحماسي قائلا: ” العمل النقابي هو المرادف للنضال المعقول والصبور وعدم البحث عن منافع، وهو كذلك الالتزام الشريف بالتحرك من أجل خدمة مصالح الطبقة العاملة فقط ” ؟
والكل يعرف ماذا وقع من بعد: اقتراب الزعيم النقابي من الذين كانوا يجلسون فوق منصة الفاتح ماي(عبد الله ابراهيم،علال الفاسي،المهدي بن بركة وآخرون)، وابتعاده من الطبقة العاملة. وهكذا أصبحت تتكون الحواشي و”الجماعات” داخل نفس النقابة. وما زال “السيناريو” يتكرر إلى يومنا هذا، وانتشرت العدوى لتكتسح الساحة النقابية والسياسية بالمغرب.
من منا لم يطلع أو يقرأ كتاب “المافيا” لعمر بنجلون، ألفه بعد تقرير المفتشية العامة للمالية التي فضحت الاختلالات الكبيرة في مالية نقابة الاتحاد المغربي للشغل ..؟ الكتاب-القنبلة الذي أشار فيه إلى اختلاس وسرقة أموال الطبقة العاملة وأشياء أخرى…؟
وبقدر ما كانت الصحافة الوطنية والدولية تعري وتفضح “الزعيم” بقدر ما كان هذا الأخير يواجهها بكل تحدي وتهكم، وكأن عامل السكك الحديدية كان متمرسا على مطاوعة الحديد والحجر إلى أن توفي في 17 شتنبر 2010.
انعقد المؤتمر العاشر للنقابة، في دجنبر 2010، بعد 15 سنة من الجمود، لكن بدون تنفيذ مقررات المؤتمر الأول بعد رحيل “الزعيم”(وعمره 88 سنة)، رغم مواجهة “المناضلين الديموقراطيين” ل”البيروقراطيين” أو “أصحاب الريع النقابي”. وما زالت دار ابن لقمان على حالها. وكلنا يتذكر مواجهات الكر والفر بين الإخوان الأعداء… مواجهات امتدت إلى الشارع العام و”الكل” يتتبع ويتفرج ويقول: “ما يقع شأن داخلي”.
من منا لم يعرف مقر مطبعة “أمبريجيما” في وسط مدينة الدار البيضاء ..؟ قيمة هذه المطبعة، مطبعة النقابة، تقدر بملايير السنتيمات وأرباحها السنوية 300 مليون سنتيم، لكن كانت في ملكية “الزعيم” وباعها نجله بملايير السنتيمات ليصبح مقرها حيا صناعيا.
والأراضي الفلاحية في ضواحي برشيد و8 فيلات في حي أنفا الراقي، ألم يحولها الزعيم إلى ملكيته الخاصة ..؟ أم هي إرث للزعيم ..؟ أم تم شراء كل هذا من راتب العامل البسيط في السكك الحديدية ..؟
وماذا عن الاختلاسات الأخرى، حسب القيادي السابق “حسن بزوي” في كتابه-القنبلة “الاتحاد الوطني للشغل: الحلم والواقع”، منها اختلاس 100 ألف دولار، خصصها “اتحاد المعلمين العرب” لبناء “مركز نموذجي لتدريس اللغة العربية” ومبلغ 300 ألف دولار التي سلمتها المنظمة العربية للشغل ل”الزعيم” ..؟ وما مصير مبلغ 450 مليون سنتيم لطبع منشورات انتخابية لأحد قادة الأحزاب السياسية ..؟ و ما مآل 75 مليون سنتيم جمعها نجل “الزعيم” لإعادة إصدار جريدة محسوبة على النقابة ..؟
انتهت لجنة إحصاء الممتلكات وانتهى الأمر وكأن شيئا لم يكن … تساؤلات كثيرة تتعلق بالمال العام (الدعم النقابي)، والذي هو ملك لكل المغاربة… تساؤلات شرعية لحسن أحراث، عضو اللجنة المركزية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان.
من منا لم يقرأ أن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية استمعت إلى مجموعة من المسؤولين عن تسيير التعاضدية العامة للتربية الوطنية، ومنهم “غ.م”، القيادي البارز في الاتحاد المغربي للشغل ورئيس التعاضدية سابقا، ارتكازا على تقرير المفتشبة العامة للمالية، سنة 2009 ..؟ غ.م الذي اعتقل واستطاعت قيادة الحزب التدخل للإفراج عنه، بعد استفادته من تعويض شهري، يقدر ب4 ملايين سنتيم منذ 1987(تعويض غير قانوني لأن القانون المنظم للتعاضدية واضح ويشير إلى أن “العمل داخل التعاضديات تطوعي”) واستحواذه على أزيد من مليارين وثلاثة وأربعين مليون سنتيم . تعويض غير قانوني لأن القانون المنظم للتعاضدية واضح ويشير إلى أن “العمل داخل التعاضديات تطوعي”. و”ما كايحسب إلا المزلوط”، كما يقول المغاربة.
ورغم كل هذا، فقيادي الاتحاد المغربي للشغل غ.م (البالغ من العمر 84 سنة، والله يطول عمره) يغار ويموت غيرة ويمكث في القيادة الجديدة للنقابة…
وماذا عن تفويت أغلب صفقات التعاضدية لنجل “غ”الذي يملك “شركة وحدة للتوزيع” وبطريقة (Marchés sur devis) من دون منافسة؟
وماذا عن إجبارية المنخرطين لأداء مبلغ 70 درهما، علما أن القانون الأساسي للتعاضدية لا يلزم المنخرط بأي مساهمة، كما ورد في التقرير المشار إليه ..؟
ودائما، ارتكازا على تقرير المفتشية العامة، ماذا عن التوظيفات المشبوهة، الخاضعة للزبونية والمحسوبية ..؟ ومنها التوظيفات الآتية:
– ابراهيم غ، ابن أخ م. غ
– رشيد غ، ابن م. غ.
– رشيدة.س، ابنة رئيس فرع التعاضدية في …
-سناء.أ، ابنة رئيس فرع التعاضدية في …
– بشرى.ر، ابنة رئيس فرع التعاضدية في …
– عمر.ف، ابن رئيس فرع التعاضدية في …
– حسن.ش ، ابن رئيس فرع التعاضدية …
– سلوى.ل، ابنة رئيس مصلحة…
– فاطمة الزهراء.ح، ابنة م.ح، محرر في التعاضدية
– م .أ .د وأخته كوثر.د ، ابني عبد اللطيف. د
– خديجة .ل،ابنة محمد ل، رئيس فرع التعاضدية في…
– بشرى. ر،نجلة أ. ز، رئيس فرع التعاضدية في …
– فاطمة ز،ابنة عياد.ز، محرر في التعاضدية.
و”لهلا يزيد أكثر”، كما تقول المقولة المغربية.
إنهم المنعم عليهم بملاعق من ذهب، ولا نصيب لهم من التدخلات الأمنية العنيفة من ضرب وجرح وركل ورفس.
ليس هذا فقط، بل هناك خروقات أخرى كثيرة وقف عليها تقرير المفتشية العامة للمالية… لكن أين لنا من تطبيق “ربط المسؤولية بالمحاسبة” ..؟
من منا لم يسمع أو لم يقرأ ما كان يقوله “الزعيم” م. ب: “كمشة ديال العمال خير من شواري ديال المعلمين” ..؟ وأنتم تعرفون لماذا…لأن “الحديد والحجارة”مادتان لا يمكنهما الانصهار مع “العلم والمعرفة”… لكن “غ” الغيور، قد يكون الإنسان المناسب في المكان المناسب لقيادة “شواري ديال المعلمين”…
من منا لا يتذكر نجلة م.ب ..؟ النجلة وشركتها (LBS) المستفيدة من المداخيل الطائلة لحزب الاتحاد المغربي للشغل ودهسها العمال( دون اعتقالها) بسيارتها الفارهة (جاكوار) وبجانبها “حبيبها” “كارلوس”، الكلب المدلل كما هي مدللة حتى النخاع.
من منا لا يتذكر يوم 04 مارس 2013، عندما غادر”عليوة” سجن عكاشة (لحضور جنازة والدته)، لكنه لم يعد إليه ولم يستجب لأمر بالحضور، الصادر عن قاضي التحقيق، عكس “بنعلو” الذي أعيد لزنزانته بعد الحضور لدفن والدته ..؟ كل هذا بأمر من وزير العدل والمندوب العام لإدارة السجون. و”إذا ظهرت المعنى فلا فائدة من التكرار”… أين لنا من استقلالية القضاء وأين لنا من دستور2011 ..؟
نقابات تلعب دورا خطيرا خدمة لدولة الظل واستغلالا واستخفافا بالطبقة العاملة… وبدلا من إضراب لمحاسبة الدولة وجميع المتهمين (ولو أمواتا) بنهب أموال الموظفين والمستخدمين المودعة في صندوق التقاعد، توجه وتموه هذه النقابات الطبقة العاملة لإضراب ضد رفع سن التقاعد وأشياء أخرى…علما أن “الزعماء المقدسين” يرفعون سن تقاعدهم للاستفادة من كراسي “البرلملن”(مجلس المستشارين)، الشيء الذي يعتبر ضحكا على ذقون الذين ينساقون وراء الشعارات الفضفاضة والمتناقضة.
إنه حال المشهد النقابي والسياسي في البلدان العربية والدول الأخرى المستبدة. إن”الزعيم النقابي-السياسي” و”شيخ الزاوية”، كلاهما يحكمان ب”ظلهما” من داخل قبرهما.

ملاحظة:

الأسماء المشار إليها في المقال بالحروف الأولية حقيقية ويمكننا الإطلاع عليها…

*مفتش في التوجيه التربوي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق