منبر حر

الإرهاصات الجديدة لبداية نشأة الرأي العام بالمغرب

ABDELLAH AZZOUZI

عبداللـه عزوزي

ارتباط عبارة ” الرأي العام / The Public Opinion” بحقل العلوم الإنسانية و السياسية و بالظاهرة الإنسانية يجعل من تعريفها مسألة “محاولة إقتراب” فقط. الصعوبة الأولى مصدرها أن العبارة تحيل على أمر غير ملموس و جديد على الثقافة المغربية (أو العربية)، باعتبار ظهوره الأول سجل عند الغرب. ثانيا، كون الرأي يختلف من شخص لآخر ومن لحظة إلى أخرى عند نفس الشخص أحيانا، ومرتبط بمتغيرات عديدة في محيط الإنسان، فما بالك برأي يجمع عليه ملايين الناس أو بعبارة أخرى، غالبية مُجتمع ما؟ ثالثا، لا يمكن إنكار أن الرأي العام خاضع للصناعة ( و التشكيل أو البَلورة) و التأثير؛ تأثير غالبا ما تكون الأدراج المؤدية إليه أدراج من مشاعر و عواطف أو خطب حماسية..
لكن هناك من رجالات الفكر ،كالفرنسي بييغ بوغديو (Pierre Bordieu) ، الذين نفوا وجود شيء ما يسمى “الرأي العام”. حيث كتب هذا الأخير في سنة 1972 مقالة شهيرة تحت عنوان ” “Public Opinion Does Not Exist؛ آخرون، كالأمريكي نعوم تشومسكي يمسك العصا من الوسط و يقر في تصريح له بوجود الرأي العام لكنه “يوجد هناك فجوة كبيرة جدا بين الرأي العام و السياسات العامة”؛ على النقيض من قناعة تشومسكي،يقول مارتن فان بورن ( Martin Van Buren،1782—1862)،قبل أن يصبح الرئيس الثامن للولايات المتحدة الأمريكية، في تصريح شهير له ” هناك قوة للرأي العام في هذا البلد، وأشكر الله على ذلك، لأنه هو الأكثر صدقا وأفضل من كل القوى الأخرى، وهو (أي الرأي العام) لن يسمح لرجل غير كفء وغير جدير بالثقة بأن يمسك بين يديه الشريرتين حياة و أقدار زملاءه المواطنين” !!
في المغرب بدأنا نتحسس أن هناك قوة ما هي بصدد النمو و التوسع قد نسميها الرأي العام الوطني. و لكي نقترب من طيفها أكثر ، علينا أن نتذكر كيف استطاع رواد الفايسبوك ، لأول مرة في تاريخ المغاربة ، من أن يكون لهم قول في تفكيك الهرم الحكومي سنة 2014 من خلال إرغام أربعة وزراء ( وهم محمد أزين،عبد العظيم الكروج، الحبيب الشوباني، وسمية بنخلدون) على مغادرة السفينة الحكومية الأكثر شعبية ؛ وقبْلها بسنة،في غشت 2013 كيف استطاع نفس الرأي العام بإرغام وزارة العدل والحريات على التراجع عن العفو الذي كان سيتمتع به مُغتصب الأطفال الإسباني دانيال غالبان بمناسبة الذكرى الرابعة عشر لعيد العرش التي تُخلَّد يوم 30 يوليوز من كل سنة، مع إقالة المندوب السامي للسجون حينها.
لكن يبقى السؤال الأكثر تعقيدا بالنسبة لي هو من يقف وراء بلورة الرأي العام المغربي، و هل هو رأي عام واحد أم أن لكل طبقة اجتماعية رأيها العام الخاص بها؟ و أمام تشعب و تداخل الوسائط و المؤسسات التي تساهم في صياغة ذات الرأي العام، أو التأثير فيه بشكل أكبر ، سنختم المقال بترك مجموعة من الأسئلة معلقة بسبب عدم إمكانية الحسم في الإجابة عليها:
• هل الإعلام الرسمي الذي تمثله القناة الأولى و الثانية، مثلا، هو الذي يشكل رأي المغاربة حاليا؟ هل هي مواقف و خرجات قادة الأحزاب السياسية أو “النقابية”؟ هل هم قادة الأغلبية أم زعماء المعارضة؟ هل هي رئاسة الحكومة؟ أم وقائع الجلسة الشهرية؟ هل هي باقة القنوات المغربية أم القنوات المشرقية؟ هل هي الجزيرة الإخبارية؟ أم الجزيرة الرياضية؟ هل هي وكالة المغرب العربي للأنباء أم السياسات المسطرة من طرف الهيأة العليا للإتصال السمعي البصري؟ هل هو الدوري الأنجليزي أم كأس الملك الإسباني؟ هل رأينا العام لا يتشكل إلا إذا كان المصاب جلل، ومن حجم زيارة المبعوث الأممي للعيون و ما يرافق ذلك من تحرش الإنفصاليين بقوى الأمن؟ أو من حجم زلة لسان مسؤول سياسي، كما حدث أخيرا مع شرفات أفيلال؟ هل رأينا كمغاربة مرتبط بالحملات الإنتخابية أم بمحتوى النشرات الإقتصادية و الجوية…؟ هل هي الأحداث العرضية، سواء كانت وطنية أو تخص الشأن العربي؟ أم إنها – قبل كل هذا وذاك – مواقع التواصل الإجتماعي كمنبر الفايسبوك مثلا؟
وأخيرا، “فإن الجمهور”، كما يقول مارك تواين، “هو الناقد الوحيد الذي لا يعني رأيُه العام أي شيء على الاطلاق! “، و في هذا بلاغٌ للناس و تنويرٌ للرأي العام…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق