أخبارمتفرقات

الصانع التقليدي بين الإفلاس والموت المنتظر

إعداد / عبد الرزاق الفلق

ABDتعتبر الصناعة التقليدية المغربية تراثا ثقافيا وحضاريا له صلة وثيقة بقيم وأعراف وعادات المغاربة، وهي تتنوع وتتشكل حسب المناطق والمدن .. إذ، تعكس إبداعات الصانع ومهاراته من خلال الأشكال التي يتفنن في خلقها، سواء أكانت من الخشب آو الجلد آو الفخار، ويضخ فيها روح التقاليد المتوارثة التي استطاع الحفاظ عليها وعلى استمراريتها، والتي تلقى إقبالا منقطع النظير من طرف السياح الأجانب.

إن الصناعة التقليدية بالمغرب، تعتبر من بين الدعامات الأساسية للسياحة بالبلد، الأمر الذي دفع بمولانا أمير المؤمنين محمد السادس نصره اللـه وأطال عمره إلى الاهتمام بهذا القطاع، وإعطاء أوامره السامية لإعادة تأهيل المدن العتيقة، وترميم فنادقها وتوزيعها على الصناع التقليديين، تشجيعا من جلالته للصانع حتى يحافظ على هذا الموروث الحضاري ويضمن كرامة عيشه.
وما مدينة فا س إلا واحدة من بين المدن المغربية التي شملتها الرعاية المولوية، فاكتست حلة جديدة، تجمع بين رونق المعمار وزخرفه، وبين براعة الصانع وشغفه .. إلا أن ما حل بالعالم أربك كل الحسابات، وغير وثيرة سير العالم، وما المغرب إلا واحد من هذه الدول التي تأثرت بهذه الجائحة ـ كوفيد 19 ـ والتي تعطلت بسببها العديد من المصالح، وغيرت مسار العديد من الصناعات، إن لم نقل أوقفت حالها وحكمت عليها بالبوار.

من هنا يمكن أن نفتح نافذة للوقوف على حال الصناع التقليديين، وما يعانونه من وقف الحال وركود اقتصادي، غير من ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية.

* محمد صانع تقليدي ـ المنتجات الجلدية ـ 54 سنة: لقد استبشرنا خيرا بالمشروع الذي دشن بلالة يدونة وبدأت تلوح في الأفق معالم التطور والرقي إلا أنه بهذا الوباء فقدنا القدرة على الاستمرار .. فالسلعة التي كانت بالمحل تضررت كثيرا، ولم تعد صالحة للبيع آو الاستعمال، أما الديون فقد تراكمت، ولم نعد نستطع القيام بأي شيء إلا التضرع إلى اللـه سبحانه عساه يرحمنا.

* جواد 47 سنة ـ صانع للحقائقب والمحفظات ـ : لم نعد نخاف الفقر، فنحن نعيشه منذ أن توقفنا عن العمل، وحتى إذا رغبنا في العمل، فلمن سنسوق هذه المنتجات، فالكل في وضع الحاجة .. ولا ننسى الديون التي تثقل كاهلنا من قبل بائعي الجملة .. الخوف كل الخوف، أننا أصبحنا على حافة الإفلاس، بل العديد منا أصبح في وضع التسول.

* مصطفى 37 صانع للأحذية: أنا متزوج وقد صادف أن وضعت زوجتي مولولدها في ظل هذه الأزمة، والحال أنني مياوم، وحين توقف العمل توقف كل شيء بالنسبة لي .. صحيح أننا استفدنا من الدعم الذي خصصته الدولة .. ولكنه، غير كافي .. إذ، بقيت على ذمتي مستحقات الكراء والماء والكهرباء، دون الحديث عن التطبيب لابنتي ومستلزمات البيت اليومية، واللـه أعلم إن كنت سأعود لعملي بعد الأزمة، آم سيستغني عن المعلم.

مثل محمد .. جواد ومصطفى، العديد من الناس الدين أرادوا التعبير عن معاناتهم .. ولكن، غصة في القلب جعلتي اكتفي بهؤلاء كنموذج، لأن معاناة الصناع التقليديين لا يمكن أن نحصرها في الصناعة الجلدية فقط، بل يمكن تعميمها على باقي الصناعات الأخرى .. للتذكير، حتى المعلمين الذين يشغلون العديد من الصناع المياومين يبكون كساد الحال وبوار سلعتهم التي سبق وأن أخذوا تسبيقا مقابل إنجازها، فإذا بها مرمية في الدكاكين مقفل عليها، قد تحيى وقد تموت . وتجدر الإشارة، إلى أن هناك من الصناع من كان ينتظر بيع سلعته في مناسبة رمضان وعيد الفطر، إلا أن الحجر الصحي حال دون ذلك .. إن من شأن هذه الأوضاع أن تجعل الصناع التقليديين أمام معضلة كبيرة، تتمثل في كيفية استعادة المكانة التي كانوا عليها قبل حلول الجائحة ببلادنا، وهل ستعمد الدولة إلى الوقوف بجانبهم حتى يتجاوزوا هذه الأزمة ..؟ وما هي السبل الكفيلة بضخ دم جديد لاسيما أن الصناعات التقليدية مرتبطة بالسياحة ..؟

هذه أسئلة وأخرى تظل تُطرح إلى أن يرفع اللـه عنا هذا الوباء، وينكب الخبراء والدارسون على خلق نموذج تنموي كفيل بان يعيد للصناعة التقليدية مكانتها ورونقها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق