ملفات و قضايا

حول مهزلة “مشروع مدونة الصحافة والنشر”(4)

نتابع في أبواب القسم الأول جسامة تقصير اللجنة العلمية في الاستئناس بالحوار مع كافة المتدخلين، حيث كرست مواد الباب الرابع من 25 إلى 28 حقيقة التقنين المراد إلزام الصحف به، التي تصل إلى فرض الغرامة المالية عن التأخير في إرسال النسخ إلى الوزارة الوصية والنيابة العامة والمجلس الوطني، حتى وإن كان هذا الإرسال في بعض الأحيان لا يكون التأخير فيه متعمدا أو خارج إرادة الصحيفة، حيث تتراوح الغرامة بين 2000 و 5000 درهم، ينضاف إلى ذلك، ما خصص للصحافة الإلكترونية في الباب السادس من المواد 23 إلى 43، والذي لا يساعد على الارتقاء بهذه الصحافة أكثر ما يقوي من القيود عليها، وهذا طبعا يعرقل توسعها وقدرتها على المنافسة في المشهد الإعلامي والصحفي، وإذا انتقلنا إلى القسم الثاني الذي يتضمن خمسة أبواب، وتمتد مواده من المادة 44 إلى 75، فإن ما يثير الانتباه هو الفرع الثاني الخاص بتنظيم الإشهار في الصحافة المكتوبة أو الإلكترونية، والتي تتراوح مواده من 69 إلى 75، حيث لم يتم توضيح شروط الحصول على الإشهار الخاضع لاعتبارات غير قانونية، وللوعي الخاطئ بحرية المبادرة وإبرام العقود التي تكون الصحيفة دائما ضحية لها، مما يعني أن الإشهار لا يمكن أن تستفيد منه المقاولات الصحفية التي لاتريد الرضوخ لأصحاب الإعلانات والإشهار، ناهيك عن احتكار هذه العقود في الغالب من قبل أصحاب المقاولات الصحفية الاستثمارية الكبرى، التي تطبع كثيرا، سواء كانت يومية أو أسبوعية.
بالنسبة للقسم الثالث الذي يمثل مجال ممارسة الضغط والعقوبة على الصحافة الورقية والإلكترونية هو مربط الفرس، فيما يتعلق بمدونة النشر والصحافة، فالعقوبات المالية تتدرج من 20.000 إلى 300.000 درهم في أبوابه الثلاثة الموزعة في المواد من 76 إلى 122، مع ما تتضمنه من ميل واضح إلى الزجر المالي لأبسط العقوبات عن جرائم وجنح النشر والقذف التي لا تستحق ذلك، والتي يمكن للمجلس الوطني إذا أسندت إليه كل الاختصاصات، التي ستمنح له بتأهيل الممارسين على أخلاقيات المهنة، و أن لايتم اللجوء إليها، أما إذا كانت المحاكم ستشاركه في هذه الاختصاصات، فإن إنصاف الفاعلين لن يكون متاحا بحكم غياب القسم أو الغرفة الخاصة بجنح وجرائم النشر، ناهيك عن المتابعة للصحافيين التي لا يختلف فيها الصحفي عن أظناء الحق العام الخاضعين للقانون الجنائي، فكيف إذن يمكن القول أن مشروع مدونة النشر والصحافة جاء لتصحيح الأخطاء الواردة في القوانين السابقة ..؟ وليساعد في أن تكون الصحافة قادرة على القيام بدورها الرقابي كما حددته المعايير الأربعة لمنظمة اليونسكو للنهوض بحرية الصحافة، وتمكينها من أن تكون سلطة رابعة مدسترة وحقيقية ..؟ وهل بهذه الازدواجية في رصد الجنح والأخطاء التي تعاقب عليها هذه المدونة من قبل المجلس الوطني للصحافة والمحاكم يمكن القول أن هناك تطورا لحرية الممارسة الصحفية، التي انتقلت من العقوبات السالبة للحرية إلى الغرامات المالية المؤدية إلى الإفلاس والإعدام بالنسبة لهذه الممارسة الصحفية.
لن نسبق الأحداث، فما زالت المدونة ستخضع للمناقشة البرلمانية التي يمكن أن يكون لها رأي آخر من قبل المعارضة، أما المشروع فسيحول من قبل الأغلبية التي ينتمي إليها وزير الاتصال، ونتمنى أن يحصل مشروع الوزارة على موافقة الفاعلين، وأن تتم مراجعة جميع الأخطاء الواردة فيه، وأن تتاح للفاعلين إمكانية المساهمة في مراجعته وإغنائه قبل أن تتقدم الحكومة به إلى البرلمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق