للمستقلة رأي

حينما تتجاوز الأحلام سقف الممكن

لا أحد يمكنه أن يصادر حق الإنسان في الحلم، كيفما يشاء وإلى أين يشاء، لكن نقطة الوصول والشعور بلحظة الإشباع في هذا الحلم لا يمكن بالضرورة أن تتجاوز سقف الممكن، الذي يمكن إختباره وإعادة قراءته، وتفكيك حمولاته المادية أو الرمزية، وهذا ما ينطبق على بعض الأحلام التي حولها البعض إلى واقع كما تخيلوه في الزمن والمكان، دون أن يستحضروا مساحة هذا الحلم وقابلية ترجمته، سواء في حال النوم أو اليقظة .. وخصوصا، في الحالة الأخيرة، التي يمتلك فيها الإنسان عبر ذاته المفكرة وأناه اليقظة التحكم في الحلم في كل مراحله، فماذا وقع لهؤلاء، حتى تكون أحلام يقظتهم خارج سقف الممكن ..؟ وهل بهذا النوع من الأحلام الوردية أوالسريالية، يمكن تخيل الواقع السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي، الذي يناسبهم ..؟ وهل خلاصاتهم التي بنوها على ضوء هذه الأحلام كفيلة بترجمتها كما يتصورونها ..؟
الأمثلة في هذا النموذج، نجدها في عنوان الصحفي وائل قنديل “مائة يوم من الدجل” وعنوان المثقفة والإذاعية فاطمة الإفريقي “ديمقراطيون جدد لم يتم استعمالهم” وعنوان الصحفي علي انزولا “الحرية المقيدة”، فهذه العينات من الأحلام تعكس المزاج المضطرب لأصحابها، والانفصام في الشخصية الواضح في الإعلان عن المواقف المسبقة الجاهزة، وهذا ما نلاحظه في قناعة وائل قنديل، اتجاه النظام المصري الجديد، الذي يتهمه بالنظام العسكري الانقلابي في مصر، مع أنه نظام سياسي كرسه المصريون في ثورتهم على نظام مرسي الإخواني في الموجة الثانية من الثورة في 30 يونيو 2013، دون أن يوضح حقيقة تحامله على الرئيس المصري، الذي انتخب بشعبية هائلة وكبيرة، تعكس العطف الجماهيري القوي اتجاهه.
أم أختنا الإذاعية والصحفية، التي تعتبر حزب الديمقراطين الجدد المغربي، مجرد حزب لم يتم استعماله بعد من طرف النظام، فهي مع كامل الأسف، رغم كتاباتها وحضورها، تعاني من الحول السياسي والفقر المعلوماتي، حول واقعنا السياسي المغربي، الذي لم يعد المواطنون فيه بعد دستور 2011، يقبلون باستمرار نفس الكراكيز والدمى الحزبية في العملية الانتخابية الديمقراطية، خاصة بعد اتضاح رغبات المغاربة من خلال فعاليات الربيع العربي الديمقراطي، وقد تكون فاطمة، متسرعة في الحكم اتجاه المولود الحزبي الجديد، الذي أعلن مؤسسوه أنهم لا يريدون استمرار عبثية وفساد المشهد السياسي والحزبي في المغرب.
وبالنسبة للصحافي علي انزولا، من أنه يعيش في حرية مقيدة، فهذا أيضا لا يزال يعاني من مخلفات الاعتقال، الذي تعرض له، والذي جعله يعتقد أنه مطارد في حريته وممارسته الصحفية، وهذا ما لا يوجد في هذه الأيام، إن تمكن من معرفة حقوقه في الممارسة المهنية المفروضة على الجميع في المشهد الصحافي والإعلامي الوطني.
ويستمر زمن الحلم العفوي لدى هؤلاء الصحافيين، دون توقف عند أي محطة لالتقاط الأنفاس، وتفسير مضمون الحلم الضاغط على الذات المفكرة اليقظة، كما يحاول صاحبها وصف انفعالات حلمها المتمرد على رقابة العقل الحي .. ومن ذلك، ما عبر عنه الصحافي الإخواني وائل قنديل، اتجاه فساد قمة المناخ السياسي حول ما اعتبره تلوثا للبيئة المصرية، من خلال ممارسات النظام السياسي ضد معارضيه في الاعتصامات والمظاهرات، عبر استعمال الغازات السامة الممنوعة، والتي أودت بحياة الأبرياء من الإخوان، مع أن استعمال الغازات المسيلة للدموع، يشكل سلوكا عاديا لدى قوات مكافحة الشغب، التي تستعملها لفض المظاهرات وفرض النظام في الشارع.
في نفس السياق، سبح مدير جريدة “أخبار اليوم” في تفكيك التقرير الأممي، حول ما يفكر فيه العرب والمغاربة، اتجاه ما وقع في الربيع العربي الديمقراطي كالمصريين الذين خسروا نظام مرسي الإخواني، الذي كان يبشرهم بالنهضة وبالخلافة الإسلامية، والمغاربة الذين لازال يدغدغهم حلم حزب العدالة والتنمية في الارتقاء بالوطن على غرار النموذج التركي .. خصوصا، الفقراء منهم، الذين وعدهم بالتغطية الصحية، والدعم المالي في حالة التخلي عن صندوق المقاصة، والمتقاعدين الذين يروج لهم بقرب معالجة الأزمة، التي تعاني منها صناديق التقاعد .. ولسنا إلى الآن على بينة فيما إذا كان مدير جريدة “أخبار اليوم” مازال تحت ضغط حلم اليقظة، الذي يوجه افتتاحياته الصباحية في هذا الاتجاه الحالم الرومانسي بامتياز، إلى حين عودة ذاته المفكرة المنهوكة بفرط الاستغراق في هذا الحلم الكبير.
ليسمح لنا الإخوة الحالمون في حالة اليقظة، أننا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، لا نشاركهم طعم الأحلام التي عاشوها .. فأخونا وائل قنديل، الذي يعتبر مائة يوم من حكم الرئيس الإخواني محمد مرسي، الذي اعتقد أنه سيحكم مصر إلى الأبد بمرجعيته الإخوانية، كما تعيش إيران في حكم الشيعة، وعجزه الموضوعي طيلة برنامجه لمائة يوم فقط، التي لم يحقق فيها ما يسمح للمصريين في استمرار دعم حكمه، بينما الرئيس السيسي، في المائة يوم، تمكن من القيام بعدة إنجازات، لعل أهمها يعرفه وائل قنديل، الذي فقد حكم الإخوان أولياء نعمته، تتجلى في حفر قناة السويس الثانية، وفرض الأمن في الشارع المصري، والشروع في الإصلاحات الاقتصادية والسياسية الكبرى، والتهييئ للانتخابات البرلمانية التي ستستكمل بها خريطة الطريق، التي أعلن عنها بعد رحيل حكم الإخوان، وإصلاح النظام الإداري والضريبي.
أما الصحفية فاطمة الإفريقي، فربما لازالت تجهل حقيقة المشهد السياسي في المغرب، وقضية تناسل الأحزاب في المناسبات الانتخابوية، ومن أن الحزب الجديد، يحمل جينات مختلفة، ويمتلك تصورا مغايرا للنماذج الحزبية القائمة .. وخصوصا، تركيزه على الفعالية والإنجاز في تكريس الشرعية الانتخابية، بالإضافة إلى تجاهلها لطبيعة الجدلية التي يعيش فيها الواقع المغربي، والتي تترجم نفسها في صراع المتناقضات في بيئة هذا الواقع في جميع المجالات.
ويبقى انزولا، الحالة الخاصة في هذه الأحلام، الذي يبدو أنه أكثر انزعاجا من واقع الممارسة الصحفية، التي يرى أنها لازالت مقيدة من خلال تجربته الخاصة، التي لا يمكن تعميمها حين لا يوجد ما يكرس شرعية وجودها، باستثناء التجاوزات، التي تحدث من حين لآخر، ويتم تداركها واحتواء تداعياتها، ستزول بالنسبة ل .انزولا مع مرور الزمن، إذا ما استحضر شروط الممارسة وأخلاقيات المهنة في اجتهاداته ووجهات النظر، التي لا تلزم الآخرين، وننصحه في النقابة بالتحري في مصادر المعلومات، وعدم التسرع في إصدار الأحكام، التي قد تكون لها عواقب غير متوقعة، على أننا لا نختلف معه في دعم الحقوق والمكتسبات، في مجال الحريات العامة، وكافة منظومة حقوق الإنسان، ذات الصلة بالمجال الصحفي والإعلامي، سواء في المغرب أو خارجه .. ويبقى أمامنا ما ذهب إليه الزميل انزولا، بأنه يعيش في الحرية المقيدة دون أن يشرح لنا حقيقة هذه الحرية المقيدة، بالنسبة إليه في الوقت الذي يلمس خصوم الوطن قبل أنصاره أن مساحة الحرية تتسع يوما بعد يوم، وأن الشعور بها تترجمه حقيقة انعدام الخطوط الحمراء في الكتابة الصحفية، حول كل شيء، في ظل سقف المسموح به، كما هو منصوص عليه في دستور المملكة، وإلا ستحول هذه الحرية السريالية، التي يتحدث عنها انزولا إلى ضرب من حرية الفوضى الخلاقة، التي يمارسها كل من استحال عليه إيجاد قنوات التواصل الطبيعي مع مجتمعه ومع القوانين والقيم والقواعد.
لسنا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، خصوما لهؤلاء الذين ناقشنا أحلامهم ووجهات نظرهم حول القضايا، التي جعلوها موضوعات لكتاباتهم الصحفية والسياسية والثقافية، فنحن في النقابة، منخرطون مع الجميع في المعركة لتحصين الحرية والاختلاف والإبداع، مهما كلفنا ذلك .. لكننا سنكون على النقيض مع كل من يعتقد أنه يملك نصف العملة أو الحقيقة في جميع الاتجاهات .. لأننا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، كما قلنا منخرطون بدون أخذ الفتوى أو الإذن من أحد، ومتشبعون بقيم الحرية والتقدم والديمقراطية إلى أبعد الحدود، ولا نشعر بالخجل أو الخوف أو التردد في مناصرة ضحايا الانتهاكات والتجاوزات، التي تقلص مسافة الحرية في الرأي والتفكير والتحليل والاجتهاد والإبداع في كل جوانب المعيش اليومي، رغم كل الإكراهات التي لا يزال النضال مفتوحا فيها حتى الآن، ولن نتأخر مهما كانت طبيعة الظروف على مناصرة الحرية والعدالة والديمقراطية، التي تناضل من أجلها الضمائر الحية الشريفة، سواء كانوا أفرادا أو جماعات أو هيئات، وسندعم كل المواقف المسؤولة والواضحة المتخذة لصالح الأفراد أو الشعوب، ومن أجل ذلك، نهيب بكل من ينخرط في معارك الحرية والإبداع والعدالة والديمقراطية عدم الجنوح والتطرف في المواقف والأحكام، التي يمكن إصدارها حول هذه الموضوعات، وما أروع أن تجد في متابعتك لهذا الرأي الآخر، إن كان صاحبه يحرص على احترام حقك في اختيار الموقف المناسب من وجهة نظره، التي تخصه وحده، والتي لا يمكن تعميمها إلى الآخرين .. وحبذا، لو تفهم وائل قنديل وفاطمة الإفريقي وعلي انزولا شرعية الاختلاف في الحوار مع الآخرين، وقللوا من تضخم هذه الأنا الفردية، التي تقلص مسافة التواصل والتعامل مع الآخرين .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق