ملفات و قضايا

إلياس العمري .. بن كيران والتناقض الكبير في وعيهما السياسي

شكل ما عبر عنه مؤخرا إلياس العمري في برنامج 90 دقيقة للإحراج، الذي تبثه قناة ميدي 1 تي في، اتجاه غريمه بن كيران، صفحة جديدة من الصراع بين الأغلبية والمعارضة في مشهدنا السياسي الوطني، فانتقادات إلياس العمري ل. بن كيران حول هجومات هذا الأخير عليه، وعلى حزب الأصالة والمعاصرة، غير مبررة، وتشير إلى افتقار الأمين العام لحزب العدالة والتنمية لأخلاقيات الحوار والنقد والجدل السياسي، التي اعتاد عليها المغاربة على امتداد عمر التجارب الحكومية والسياسية المتعاقبة، ويفتقد فيه بن كيران كرئيس للحكومة للحس بالمسؤولية العامة اتجاه جميع المغاربة، وحرصه على التمييز السلبي للمغاربة من موقع رئيس حكومة لكل المغاربة، وليس فقط للذين ينتمون إلى حزب العدالة والتنمية، وبإصراره على تخيل العفاريت والتماسيح التي تطارده في كل مكان، وشعوره بنشوة الانتصار على خصومه حتى وإن كانوا لمجرد الاختلاف معه حول تدبيره للشأن العام، أو حول أولويات برنامج حكومته في نسختها الثانية، ولكل خرجاته الإعلامية المستفزة لأقرب الناس إليه، الذين يريدون تخليه عن سياسة الأرض المحروقة، التي يراهن عليها معارضوه، والتي تساهم في تضخم جبهة معارضيه في جميع القطاعات، عوض أن يغير هذه المنهجية التي لن تساعده على تلمس حقيقة الأخطاء التي يرتكبها في بعض الأحيان عن حسن النية لمجرد الانفعال على محاوريه، وهذا ما يتناقض مع الذين لا يزالون يصرون على إمكانية نجاته من الشباك المفتوحة له على أكثر من صعيد.
من المؤكد، أن بن كيران مزهو بهذه الفروسية القبلية، التي تزايدت نجاحاته فيها بحرصه على خلط جميع الأوراق، وتقويم الخلافات المرحلية القائمة مع جميع خصومه حتى داخل حزبه، واعتقاده أن المنهجية التي يعتمدها في تصريف هجوماته وانتقاداته صحيحة، وأنه لا خوف على مستقبله السياسي، كما يتحدث عن ذلك بتلقائية مثيرة للفضول والجدل، بما في ذلك تعليقاته على مواقف وتحليلات الأكاديميين حول سياسته الاقتصادية التي تبث فشلها على أكثر من صعيد، والتي يعتقد أنها صالحة باستمرار، رغم ما يعانيه المواطنون من تداعياتها في معيشتهم اليومية، ناهيك عن افتقاره إلى ما يمكن أن يقنع به عموم المواطنين خارج هذه الفهولة والفروسية الاستباقية، التي يمارسها على جميع خصومه الذين لا تعجبهم ردوده الساخرة والضعيفة على مداخلاتهم وتحليلاتهم، التي لا يستطيع أن يسايرها، نظرا للفوارق التي تفصله عن ما تمتلكه المعارضة التي يعتبرها في جيبه، بعد أن قص أظافرها وفكك قوتها إلى الدرجة التي بدأ يتخيل فيها انتصاراته في الانتخابات الجماعية والبرلمانية المقبلة.
في مقابل ما يقوله إلياس العمري عن غريمه في حزب العدالة والتنمية، تنتصب اتهامات بن كيران لإلياس بأنه “مافيوزي” بكل المواصفات التي تعرف بها “المافيا” الاقتصادية والسياسية في العالم اليوم، وأن ليبراليته وحداثته أصبحت واضحة لدى أبسط المغاربة، فبالأحرى لدى مناضلي حزب العدالة والتنمية، وأنه لا يصلح لأن يكون من المعارضة، لافتقاره إلى المؤهلات التي عرفت بها المعارضة المغربية عبر تاريخها.
إنه صراع التناقضات بامتياز، ولا يمكن أن يصنف ضمن أي نموذج للحوار السياسي أو الإيديولوجي بين زعيمين سياسيين اعتادا معا الصيد في الماء العكر، ومحاولة إفشال الخصوم بأي تهم وأباطيل ومزايدات رخيصة، عوض أن يكون الحوار أو الصراع بينهما حول البرامج والتصورات التي يتبناها كل منهما من موقعه، سواء في الحكومة أو المعارضة، وهذا ما يكشف عظم وفراغ ثقافة الفاعلين الحزبيين في مشهدنا الوطني، الذين يخرجون دائما عن السطر، وعن أبسط قيم ومبادئ الحوار السياسي الديمقراطي .. وبالتالي، يكون وصف حوارهما بصراع التناقضات في موضوعه طالما كان طرفي هذا الصراع متمسكان بنموذج الصراع السياسي المتخلف الذي لا يقدم أي إضافة للقارئ أو المهتم أو المتابع للشأن الحزبي والسياسي الوطني.
ما يمكن أن نستخلصه في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، هو أن فاعلينا الحزبيين والنقابيين والمدنيين، بدل أن يرتقي صراعهم إلى ما يعزز الاعتقاد بالتحول والنظر الذي يجب أن يكون عليه مشهدنا المغربي، أصبح صراعا يعري عن الحقائق المرة التي لا يزال عليها واقعنا الحزبي والنقابي والمدني، الذي يدفع من حين لآخر بمثل هذه النماذج من القيادات التي تجيد التهريج والتجييش والتجنيد، بدل القدرة على التنظير والتأطير، كما هو متعارف عليه في الأنظمة التي سبقتنا إلى الاحتكام إلى الحياة الديمقراطية والدستورية، وإلى تأهيل شعوبها على قيم الحوار السياسي المتحضر والصراعات الديمقراطية، التي تخدم هذه الشعوب، قبل القادة والزعماء، كما هو حال نموذجنا المغربي الذي لم يعد يقنع حتى أهله، فبالأحرى أن ننافس به النماذج الأكثر تطورا في عالم اليوم.
إننا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، لا نرى في هذا النموذج من الحوار والصراع بين القادة في أحزابنا ونقاباتنا ومجتمعنا المدني، إلا إعلانا عن فشل نموذجنا، الذي تراجع إشعاعه وأداؤه إلى الدرجة التي يمكن أن يسلم فيها بإفلاسه وانحداره، وهذا ما لا يريده المغاربة لمشهدهم الوطني، الذي يريدون أن يكون قادرا على منافسة أقرب النماذج المجاورة لنا في أوربا وأمريكا، وعوض أن يظل الوطن بنموذجه مصنفا من ضمن نادي الدول النامية المتخلفة في نظامها الديمقراطي، من خلال مستوى هذا الحوار والصراع بين أحزاب الأغلبية والمعارضة إلى التخلص منه في نظامهم السياسي الحزبي والنقابي والمدني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق