
بقلم-عبد الرحيم مالكي
في عالمٍ تتسارع فيه الأحداث وتتبدّل فيه المواقف، يبقى الصدق والصداقة من القيم الثابتة التي لا تتأثر بعواصف الحياة، فالصدق ليس مجرد خُلُقٍ يُمدح، بل هو ميزان يُقاس به الإنسان، ومبدأ يعبّر عن نقاء القلب واستقامة الفكر، إنه حجر الأساس في بناء الثقة بين الناس، ومن دونه تنهار العلاقات مهما بدت قوية في ظاهرها
الإنسان الصادق لا يحتاج إلى تبريرات ولا يخشى انكشاف أمره، لأنه يعيش بوضوح ويقول الحقيقة كما هي، وقد أثبتت التجارب أن الصدق، رغم كونه طريقًا صعبًا أحيانًا، هو الطريق الأقصر نحو الاحترام والطمأنينة .. فالصدق يحرر الإنسان من الخوف، ويمنحه قوة لا يملكها من يعيش في ظل الزيف والمراوغة
أما الصداقة، فهي الوجه الإنساني الأجمل للصدق، فهي ليست مجرد تواصل اجتماعي أو تبادل مصالح، بل علاقة تقوم على الثقة والمشاركة والاحترام .. الصديق الحقيقي هو من يبقى حين يرحل الجميع، من يقول الحقيقة لا ما نحب أن نسمع، ومن يرى فيك إنسانًا يستحق الدعم لا وسيلة للمنفعة، وفي زمنٍ كثرت فيه الوجوه وقلّت فيه النفوس الصادقة، أصبحت الصداقة الصافية عملة نادرة تحتاج إلى صدقٍ يحميها ووفاءٍ يغذيها
وفي كثير من الأحيان تكشف المواقف البسيطة عمق الإنسان وقيمة صداقته أكثر مما تفعل السنوات الطويلة، فبعض المواقف تُظهر حقيقة الوجوه التي كانت تبدو صادقة، لكنها في الواقع لا تحمل سوى الكلام المنمّق والمظاهر الخادعة .. لذلك، يجب أن نكون حذرين في اختيار من نمنحهم ثقتنا، فليس كل من يبتسم في وجهنا صديقًا، ولا كل من يتحدث عن الوفاء يعنيه حقًا .. فالصداقة لا تُقاس بالوعود، بل بالمواقف التي تثبت صدقها
العلاقة بين الصدق والصداقة علاقة متكاملة لا تنفصل، فالصداقة التي لا تقوم على الصدق سرعان ما تنهار، والصدق الذي لا يجد أرضًا من الودّ والاحترام يبقى ناقص الأثر حين يلتقيان، يولدان إنسانًا حقيقيًا ومجتمعًا سليمًا يعرف معنى الثقة والتعاون
وربما تغيّر الزمن، لكن قيم الصدق والصداقة ستظلّ كما هي، علامات مضيئة في طريق الإنسان، تذكّره أن الحياة لا تُقاس بما نملك، بل بمن نكون، وبما نحمله في قلوبنا من صدقٍ ووفاء