أخبارمنبر حر

محمد الشدادي : لن نكتب شيئا .. بعد الآن ..!

*محمد الشدادي

لن نكتب عنكمcheddadi شيئا بعد اليوم .. عسى أن ترضوا عنا، وتعود ابتساماتكم الماكرة الصفراء لتبرز لنا؛ عوض تكشيرتكم العابسة التي ترسمونها على صفحة وجوهكم كلما تعرضتم لنا ..!

لن تمتد أيدينا إلى الأقلام مجددا لتتطاول عليكم .. وسنعمل جاهدين على أن تنحصر أنشطتها: تارة في التصفيق بحرارة لمنجزاتكم الخالدة .. وطورا سنرفعها عاليا إلى السماء للدعاء لكم متضرعين بأن تمكثوا جاثمين على صدورنا إلى الأبد ..!

سنكسر جميع أقلامنا، ونقتصر على القلم الأحمر فحسب، لتقويم مسار تلامذتنا، وتصحيح أخطائهم .. أما أخطاؤكم أنتم فمحض اجتهاد تؤجرون عليه.

سنجفل من أفكارنا .. ونتنكر لمعارفنا .. ونمزق جميع الأوراق، وندخر كل الجهد للعمل .. عملا بنصائحكم القيمة.

سنغض الطرف ما استطعنا، ونصم آذاننا، ونخرس ألسنتنا، ونقبع في بيوتنا، ونعتزل الناس جميعا، وننام باكرا، ونزهد عن كل الطيبات، ونقتصر على الخشن من اللباس، ونترهب في الصوامع بعيدا عن معارك الحياة، ونرخي لحانا بطول عهدكم .. ثم نأمل بعد ذلك كله ألا نتشبه لكم “بالبواجدة” أعدائكم الأغبياء، وأن لا تنسبونا إلى حزبهم قهرا ..!

سنضحك رغما عنا في بلاهة، حتى وإن “ضحكتم علينا” .. ونفتخر بكونكم جشمتم أنفسكم عناء ومشقة “الضحك علينا”.

لن نذكر شيئا بعد الآن عن التعاملات المريبة، والأموال المنهوبة، والصفقات المشبوهة .. فنحن “أشباه” الصحفيين كما أكدتم وأنتم الرجال .. أصحاب المال والكمال ..!

لن نتحدث إطلاقا عن المنازل الفاخرة التي شيدتموها هنا وهناك “بعرق جبينكم” ..! فالدنيا حظوظ وجدود، ورتب ومنازل .. أما نحن: فحسبنا مدينتنا “المنزل” مسكن البسطاء، ومآوى الشرفاء ..!

لن نورد شيئا عن أسطول السيارات الفارهة التي اقتنيتموها لتنقلكم في ذهابكم وإيابكم، وتسير بكم لقضاء مصالحـ ـ نا ـ ..! أما نحن: فيكفينا السير على الأقدام، فهو رياضة للبدن، ودواء للجسد ..!

سنتعوّد فصاعدا من الآن على الحالة المزرية لشوارعنا، ولن نضيق لضيقها، ولن نتغيظ إطلاقا من أكوام الأوحال التي تستعمر الطرق، ولا من أطنان الطين التي تحتلها .. ولن نغضب من الماء المتجمع بها، بل سنشكر الله على نعمة المطر، ومنة الغيث .. وعزاؤنا الوحيد المسالك التي اتخذتموها لمنازلكم فتلك قمة الإيثار، وشيمة الأبرار.

لن نشمئز بعد اليوم من الروائح الكريهة التي تنبعث من المجزرة، ومطرح الأزبال، وقمامة السوق، ومستنقعات الواد الحار المكشوف .. وسنحسن وفادة أسراب الحشرات والذباب والبعوض المنبعث منها .. ولن نزعجكم بعد الآن بالحديث عن معانتنا .. فتلك قذارة نجِلّ ُ قدركم عن الخوض فيها ..!

لن نقف مجددا على أعتاب مؤسساتكم المهجورة لتسوّلِ دعمكم المادي .. سيكفينا دعمكم المعنوي لنا، وعطفكم علينا، ودفء صداقتكم ..!

لن نذكركم إلا بخير .. كالموتى ..! ولن نخوض في أسراركم أو علانيتكم، وما آتيتمونا به فواجب لا يسعنا إلا الأخذ به، ودِين لا يجدر بنا إلا اعتناقه، واعتباره من المقدسات أو المسلمات، التي لا تحتمل ردا أو دفعا أو جدالا أو مناقشة .. أما من سولت له نفسه الشك في اعتقادكم، أو الارتياب في مسلك تدبيركم، فهو حتما كافر أو ملحد، ومن الفئة الباغية، والشرذمة الظالمة التي وجب إقامة الحد عليها، والاقتصاص منها، حتى لا يستفحل شرها، ويعظم خطرها، ويتمادى أصحابها، وتفتح الباب لمن هب ودب للخوض في شؤونكم العامة، أو التطاول على تسييركم.

لن نزعج نومكم بعد الآن بعنوان بارز .. أو نقلق سباتكم بنص عريض .. عن تعدّ منكم أو تقصير .. ولن يطالعكم في صفحاتنا إلا صور الورود والشموع .. وهمسات الودّ والاعتراف بالجميل .. فقِرّوا عينا، وطيبوا نفسا .. فلن نكون أبعد نظرا، وأصدق فراسة من الجماهير العريضة التي آثرتكم عن كل من سواكم، واختارت دون تردد أن تجدد ثقتها فيكم.

لن نكتب عنكم شيئا بعد الآن، لأن اليد الواحدة لا تصفق، والضربات التي لا تقسم الظهر تقوّيه .. ولأننا كلما أتينا ببحث عميق .. واجهتموه بجدال عقيم .. وكلما تحدثنا عن مآل الثروة .. نسبتم إلينا مقدمات الثورة .. وكلما حلمنا بالأمل المفقود .. أيقظتمونا على الألم الموجود .. واللؤم المعهود ..!

لن نكتب عنكم شيئا بعد اليوم، لا خوفا من تهديداتكم، أو فرقا من انتقامكم .. بل لأننا قررنا أن نترككم لضميركم لعله يصحو، ولرحمة الله عسى أن تدرككم .. فإن غاب الأول، وانتفت الثانية، فعلينا وعلى الدنيا السلام.

*عضو الأمانة الإقليمية للنقابة المستقلة للصحافيين المغاربة – صفــرو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق