أخبارمنبر حر

أحمد عصيد و “علمانيته”

عص

عبد الصمد لفضالي

الإسلام لا يتناقض مع العلمانية التي تعني في تعريفها العام فصل السلطة السياسية عن السلطة الدينية وحرية المعتقد و عدم التمييز العرقي والعقائدي، و الإسلام أوسع من العلمانية فيما يتعلق بالحقوق والحريات، فيمكن القول بأن النواة الأولى للعلمانية أخذت من الإسلام، لا إكراه في الدين، و لا فرق بين أعرابي و أعجمي و لا أبيض و أسود إلا بالتقوى، ومن أعظم ركائز التقوى في الإسلام العدل الذي لا يميز بين الناس بسبب عقائدهم و أعراقهم، و إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل، لكن “الفيلسوف” أحمد عصيد يركب على فكر و فتاوى منظري التشدد و الغلو من أجل الإيهام بأن الإسلام لا يمكنه التعايش مع العلمانية، متحاشيا المقاصد الإسلامية المرتبطة بكرامة الإنسان والعالمية الإنسانية، و حرصا على حرية المعتقد، فإن الإسلام لم يوجب الفرض الثاني من الإسلام الذي هو الزكاة على غير المسلمين ( أهل الذمة )، و أوجب عليهم الجزية مقابل الخدمات الإدارية و الأمنية، كما اتخذت هذه الجزية كإعانة مادية للمعوزين منهم، وهكذا، فإن الأقليات العقائدية يمكنها العيش و بكل كرامة داخل المجتمع الإسلامي إذا ما طهر – بضم الطاء – هذا المجتمع من النزعات المذهبية و العرقية .

LAFDALI

إن العلمانية البناءة تعني حرية المعتقد و الاختلاف الفكري، مع احترام القيم الأخلاقية لكل مجتمع على حدة، و ليس فرض “العلمانية” الحيوانية و اللاإنسانية المرتبطة بما يسعون إلى تمريره تحث اسم “الحقوق” الفردية كالمثلية و الفوضى الجنسية و نشر التمييع، والرذيلة تحت غطاءات و مسميات ” فنية ” على حساب العلم و العمل، وتغول الرأسمالية الاحتكارية على الأغلبية المجتمعية بدون ضوابط قانونية و لا روادع أخلاقية، فلا يتجرأ على حمل هذه الأطروحات إلا عملاء تأبطوا شرا، فلكل إيديولوجيا قمامتها و ” زبالتها ” و نحن نرفض “زبالة” العلمانية بقدر ما نحترم ايجابياتها، و أن المسلمون يمكنهم الاندماج داخل المجتمعات الغير المسلمة بارتكازهم على مبدأ ” الدين المعاملات ” .

إن “المفكر” أحمد عصيد ينتقل بسرعة البرق من العلمانية التي تنبذ النزعة العرقية إلى التطرق إلى الأمازيغية بصيغة تحريضية، انطلاقا من ربط مرصده ” المرصد الأمازيغي للحقوق و الحريات ” بعرق معين، دون الأعراق الأخرى المكونة للمجتمع المغربي، مما يتناقض مع العلمانية و الحقوق و الحريات المتعارف عليها عالميا و إنسانيا .. نحن ضد أي نزعة عرقية، سواء كانت عربية أو أمازيغية أو غيرهما، و ضد محاربة الإقصاء بالإقصاء، و من المدافعين على ترسيم الأمازيغية إلى جانب العربية باعتبارهما مكونين لهويتنا و ثقافاتنا، كما أن “المؤرخ و المنظر” أحمد عصيد يرتقي من التاريخ ما يتماشى مع نزعته العدوانية، معتقدا بأن الكل سيبتلع تأويلاته “التاريخية” البئيسة، متجاهلا بأن نفس التاريخ يروى بطرق مختلفة لأسباب مصلحية معينة، وأن الغاية الأساسية من التاريخ هي الاستفادة من أخطاء الماضي، و ليس سرده حسب الأهواء وتحت الطلب استرضاء لسياسة ” فرق تسود ” من أجل خدمة قوى انتهازية، فالنعرة العرقية لا تقل خطورة عن النزعة المذهبية بهدف الابتزاز و إفشاء الفوضى و عدم الاستقرار .

و رجوعا إلى السياق التاريخي، فإن التاريخ الدقيق و الصحيح و الواقعي هو أن المجتمعات التي عرفت الفتوحات الإسلامية اعتنقت الإسلام، لإدراكها بأن تاريخ البغي و الاستبداد المنسوب إلى الإسلام ليس هو الإسلام، عكس ما فعلت هذه المجتمعات بالحضارات المادية التي قامت بغزوهم ( الرومان، الفنيقيون، اليونان، الوندال و غيرهم ) و مؤخرا الإنجليز و الفرنسيون و غيرهم من الإمبراطوريات الاستعمارية التي عادت بمعتقداتها إلى داخل حدودها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق