أخبارمنبر حر

الحزن

هناء حجازي

من أين يأتي الحزن، لماذا نحزن، هذا الألم الذي يعصرنا عند فقد حبيب، لماذا، ماذا يعني، إذا كنا نعرف أن هذه سنة الحياة، لماذا لا نسلم لها دون حزن، دون ألم، دون هذا الشعور القارص والحاد. لماذا تمتلئ القصائد والروايات بكل أنواع المفردات التي تصف بدقة هذا الإحساس الشرس والخانق. ولماذا نحن القراء يغرينا هذا النوع من الأدب، نستعذب الألم الذي تنقله لنا الكلمات، تحفر عميقاً في الوجدان وتذكرنا بألم شعرنا به من قبل، وتهيئنا لألم سوف نشعر به في القادم من الأيام .. الحزن الجميل يجعلنا أكثر رقة، أكثر سمواً، أكثر مراعاة للآخر

يقول تشارلز ديكنز في روايته الآمال الكبرى على لسان البطل “أصبحت أفضل بعد البكاء، أكثر أسفاً، أكثر إدراكاً لعقوقي، أكثر رقة” .. الحزن يجعلنا أكثر آدمية، أكثر شفافية، أكثر قرباً من ذواتنا الراقية.

ولعل أشهر قصيدة مليئة بالحزن والقهر تملؤنا توجعاً وأسىً حين نقرأها هي قصيدة ابن زريق البغدادي

HANAE

لا تَعذَلِيه فَإِنَّ العَذلَ يُولِعُهُ

قَد قَلتِ حَقاً وَلَكِن لَيسَ يَسمَعُهُ

جاوَزتِ فِي نصحه حَداً أَضَرَّبِهِ         

مِن حَيثَ قَدرتِ أَنَّ النصح يَنفَعُهُ

فَاستَعمِلِي الرِفق فِي تَأِنِيبِهِ بَدَلاً

مِن عَذلِهِ فَهوَ مُضنى القَلبِ مُوجعُهُ

هذه القصيدة مذ أن قرأتها أول مرة عرفتني معنى أن تتألم من أجل الآخر .. حزنت على كاتبها وقصته وسبب القصيدة، كرهت أن تكون هناك أسباب تجعل الإنسان يفارق أحبته، علمتني أن الحزن يجب أن يقاوم .. لا يجب الاستسلام للحزن .. لا يجب أن نجعله خلفية لحياتنا، أن نصبح ونمسي عليه، أن يكون هو الشعور السائد وغيره من الأحاسيس عابر، وغير حقيقي.

جبران خليل جبران يقول “حين يغمرك الحزن تأمل قلبك من جديد، فسترى أنك في الحقيقة تبكي مما كان يوماً مصدر بهجتك.”

هذه هي الحقيقة لو تأملنا ما قال جبران، نبكي من نفقد لأنه كان سبب سعادتنا يوماً من الأيام، لكن لو سلمنا أن هذا حال الدنيا، ربما تعلمنا أن نتذكر البهجة ونغلق الباب على أحزاننا .. نتذكر الأوقات السعيدة التي أمضيناها مع هذا الشخص، نودعه بابتسامة، تلويحة تحمل العرفان .. الحزن، قد يغمرنا، لكن لا يجب أن نغرق فيه.
اليزابيث جلبرت التي كتبت طعام .. صلاة .. حب تقول “لا تعتذر عن البكاء، بدون هذا الشعور، نصبح كالرجل الآلي”

ابك، ابك ما يستحق البكاء، لكن لا تستمرئ البكاء، لا يوجد ما يستحق أن تضيع وقتك كله في بكائه، مهما كان عظيماً، مهما كان خارقا، لأنه مضى، مضى إلى حيث يجب أن يكون .. عليك أنت أن تحيا حياتك الآن، كما يجب أن تكون.

الحزن جميل .. الحزن نبيل .. ومنذ معلقات العصر الجاهلي ونحن يجذبنا الحزن ونقرأه في وقوف الشعراء على الأطلال، تربينا على تقديسه .. لكن، علينا أن نتربى أيضاً على مقاومته، يجب أن يكون عابراً .. ضيفاً .. لا مقيماً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق