
تزامنا مع ما يعرفه الشارع المغربي من غليان، على إثر خروج ”شباب Z 212” إلى الشارع دفاعا عن الصحة والتعليم، توصلت جريدة المستقلة بريس الإلكترونية، لسان حال النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، ببيان تضامني، من المنتدى الوطني لحقوق الإنسان، فيما يلي نصه:
فمن خلال اصداراتنا العديدة السابقة، بما في ذلك العديد من البيانات والبلاغات والرسائل المفتوحة، وذلك منذ رؤية هذه الهيئة الحقوقية المستقلة النور، نجد أنفسنا نتفق مع ”شباب Z 212”، جملة وتفصيلا، فبلادنا ما زالت في أمس الحاجة إلى تعليم في المستوى .. تعليم لا يفرق بين المغاربة .. وبأن ”صحتنا”، ما زلت لم تبرح قاعة الإنعاش .. وبأن البطالة ما زلت تؤرق السواد الأعظم من شبابنا .. وبأن الفساد قد استشرى في العديد من المرافق العمومية .. وبأن العدالة الاجتماعية، ما هي إلا أضغاث أحلام .. وبأن الكرامة الإنسانية بمدلولاتها الشاسعة، ما هي إلا سراب وهمي: فربط المسؤولية بالمحاسبة، ما زال صعب المنال، أمام مقاومة جيوب الفساد؛ والإفلات من العقاب قد فرض نفسه واقعا مرا لا مفر منه؛ وما سمي ”بإصلاح نظام التقاعد”، هو تخريب في واضحة النهار، لنظام بُني على أكتاف موظفين كادحين؛ و”نظام التعاقد”، ما هو إلا نوع جديد من ”الاستعباد الإداري”، إن صح التعبير؛ ومجرد الحلم بسكن لائق، قد كاد يصبح من سابع المستحيلات، لدى العديد من الأسر
أجل، نتفق مع جيل Z، في مطالبه الاجتماعية الرئيسة العادلة، والتي تختزل في حقيقة الأمر كل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، التي نصت عليها القوانين والمواثيق الدولية، والأعراف البشرية، والقيم الكونية، والمبادئ الإنسانية، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر بتاريخ 10 دجنبر 1948، بل وحتى دستور 2011، الذي ظلت وللأسف الشديد، العديد من فصوله معطلة
اتفاقنا هذا يأتي على اعتبار أننا في المنتدى الوطني لحقوق الإنسان، إلى جانب العديد من القوى الوطنية والضمائر الحية في بلادنا، نحمل هم الوطن ونحس بنبض الشارع .. وبالتالي، فلا يمكننا أن نكون صوتا نشازا، ونحن نعيش ألم وطن، تربينا في أحضانه، كما لا يمكننا أن نقف متفرجين، وبلادنا تحترق تحت أقدامنا رويدا زويدا
إن ما يعرفه الشارع المغربي اليوم من غليان شمل كبريات مدننا، والذي هو بالمناسبة تحصيل حاصل، لتخلي الأحزاب السياسية والنقابات المهنية، عن دورها الدستوري في تأطير المواطنات والمواطنين؛ وهو ما سبق للمنتدى الوطني لحقوق الإنسان أن نبه إليه بشدة، حين نشر مؤخرا بتاريخ 25 غشت 2025 رسالة مفتوحة، في أفق الاستعدادات للاستحقاقات التشريعية المقبلة 2026 .. رسالة مفتوحة إلى روح الزعماء/أيقونات النضال السياسي ببلادنا: علي يعته، وعبد الرحيم بوعبيد، وامحمد بوستة، وغيرهم .. في زمن نَذُرَ فيه الزعماء الوطنيون الحقيقيون، وإلـى كل من يهمهم الأمر، محذراً من الخطورة المتناهية لهذا الفراغ السياسي/ التأطيري، الذي تعرفه بلادنا، بسبب ما تعيشه أحزابنا السياسية المهترئة والمتآكلة، من مشاكل ذاتية وأخرى موضوعية، إلى درجة أضحت معها ليست فقط جزء من المشكل، بل المشكل أصلا
والمنتدى الوطني لحقوق الإنسان، وهو يؤكد شرعية ودستورية المطالب التي يتبناها شبابZ212، يدعو الحكومة الحالية إلى تحمل كامل مسؤولياتها فيما قد تؤول إليه الأوضاع من احتقان، من خلال تبنيها مقاربة أمنية عتيقة وعقيمة، أثبتت التجارب الدولية برمتها، فشلها الذريع في احتواء الأصوات التواقة إلى الحرية والانعتاق، والمُطالِبة بحقوق دستورية بديهية .. مؤكدا على أن اعتماد الولاءات بدل الكفاءات في جل التعيينات؛ وكذا سيادة الإفلات من العقاب؛ إضافة إلى تضارب المصالح؛ وطغيان حالات التنافي؛ وكذا وأد مبدأ دستوري مهم، ألا وهو ربط المسؤولية بالمحاسبة، زيادة على انتشار الفساد أرضا وبحرا وجوا؛ والتنامي الفاحش للريع السياسي والاقتصادي والجمعوي والإداري؛ ناهيكم عن الاحتكار بكل أشكاله؛ وغلاء الأسعار، وجمود الرواتب؛ وتفشي البطالة في صفوف الشباب؛ وانسداد الآفاق
كل ذلك، كان يشير بما لا يدع مجالا للشك، بأن بلادنا قد أصبحت على صفيح ملتهب، وليس ساخنا فقط .. وعليه، فإن المنتدى الوطني لحقوق الإنسان، وهو يعبر عن اقتناعه التام بأن شباب Z212، يمثل جيلا واعيا ومتعلما ومبدعا وجد نفسه رهين البطالة والإقصاء والتهميش والحكرة، وتأليه “الجثث الحزبية والنقابية”، وصناعة التفاهة والترويج لها، وتكميم الأفواه، وتكبيل الأقلام الصحافية الحرة، رغم أن هذا الجيل لم يكلّف الدولة يوماً خسائر ولا أعباء .. هذا الجيل الذي يُمثل ثروة بشرية وفكرية حقيقية.. وأن السياسات العمومية اللا شعبية، جعلته يعيش مرغما على هامش التنمية، محروما من أبسط حقوقه الدستورية .. فإن هيئتنا الحقوقية تسجل ما يلي:
1/ تعتبر أن حرمان هؤلاء الشباب من حقهم في التعليم والصحة والشغل والعيش الكريم، يُعد إهداراً للطاقات وإجهازاً على الكرامة الإنسانية، وتبديداً لفرص التنمية المستدامة، وإهدارا للزمن التنموي والإصلاحي؛ إذ لا تنمية حقيقية بدون تعليم يرقى إلى مستوى تطلعات الأجيال؛ ولا كرامة بدون عدالة اجتماعية، في مفهومها الشامل والإنساني والعام
2/ تؤكد مشروعية ودستورية مطالب شباب Z212، وتدعو إلى الإصغاء إلى نبض الشارع
3/ ترفض رفضاً قاطعاً استعمال القوة ضد المتظاهرات والمتظاهرين السلميين، وتحذر من خطورة المقاربة الأمنية، وما قد تؤدي إليه من انزلاقات وتجاوزات، قد تعصف باستقرار البلاد وأمن العباد
4/ تُحمِّل الجهاز التنفيذي متضامنا بالأساس، كامل المسؤولية في استمرار تهميش هذه الفئة الحيوية النشيطة والتي تحس بالإقصاء الُمركَّب، وما قد يترتب عن ذلك من تنامي هذا الاحتقان الاجتماعي المجهول مصيره
5/ تُلِحُّ على ضرورة الاستجابة الفورية لمطالب الشارع، قبل أن تتفاقم الأوضاع وتخرج عن السيطرة
6/ تؤكد على أن شباب Z212 ليس عبئاً على الوطن، بل بالعكس هو الأمل في بناء مستقبل أكثر عدلا وإنصافاً، مبني تعليم قوي، وصحة تحفظ الكرامة، وفرص عمل تضمن الاستقرار والأمان .. إلخ
7/ تدعو إلى الإفراج الفوري على كل المقبوض عليهم، على خلفية هذا الحراك الشبابي السلمي، كما تطالب بإطلاق سراح كل سجناء الرأي
8/ تسجل عدم قانونية الاعتقالات التي طالت شباب Z212، بسبب العيوب المسطرية العديدة المواكبة لهذه العملية
9/ تتقدم بشكر لا محدود لهيئة المحامين الشباب، التي عبرت في بيان شجاع لها، عن تبنيها الدفاع عن من تم القبض عليهم خلال هذه الأحداث
10/ تثير انتباه كل الساهرين على تنفيذ المقاربة الأمنية، إلى ضرورة ضبط النفس، والتحلي بالحكمة، وأن يضعوا في الحسبان أن الشباب الذين خرجوا اليوم في تظاهرات سلمية حضارية، هم أبناؤهم وإخوانهم، وأن ما يطالبون به من إصلاح، هو جزء من مطالبهم، وأن الجميع سواء في الهم وفي التطلعات، وفي الحق بعيش كريم
11/ تدعو هذه الحكومة، إلى تقديم استقالتها إلى صاحب الجلالة، امتصاصاً لغضب الشارع المتزايد، وتعويضها بحكومة كفاءات وطنية بعيدة عن الانتماءات الحزبية، في انتظار تطهير الأحزاب من كل الشوائب، وإخضاعها لإصلاح واسع لا يخلو من التحقيق الجدي والنزيه والمحايد في مالياتها، وفي كيفية صرفها للدعم الضخم الذي تستنزف به سنويا ميزانيات الدولة، منذ الاستقلال وإلى يومنا هذا
12/ تناشد كل القوى الحية ببلادنا، إلى التكتل والتواصل والتلاحم، من أجل إصلاح كل الهفوات التي تعيشها قطاعتنا، خاصة الحيوية منها، وذلك من أجل غد مشرق، ينعم فيه المواطن المغربي بعدالة اجتماعية، وتقدم اقتصادي، وسيادة فعلية للقانون وفصل حقيقي للسلط، تفعيلا لمبدئ ”ربط المسؤولية بالمحاسبة”، وعدم الإفلات من العقاب
قلعة السراغنة في: 29 شتنبر 2025
المكتب التنفيذي للمنتدى الوطني لحقوق الإنسان