أخبارمنبر حر

مرآة بلا ذاكرة

 

                                                 عبدالله فضّول

هل نطلب من الزجاج أن يحنّ ..؟ في لحظة مواجهة صامتة، نقف أمام المرآة، لا لنرى وجوهنا، بل لنبحث عما فقدناه فينا

اكتشفت أن المرآة بلا ذاكرة، بلا تاريخ، هي لا تحفظ ابتساماتنا القديمة، ولا تسترجع ملامحنا حين كنا أكثر إشراقًا، وهي ايضا صفحة بيضاء، لا تعرف الأمس، تنتظرنا لنكتب عليها وجوهنا من جديد .. نعرض عليها فرحنا أو وجعنا، فتنعكس اللحظة فقط، ثم تنسى كل شيء

إنها العاكسة التي لا تنحاز إلا لما يُعرض أمامها، ترفض أن تمنحنا ما نريد، وتُصرّ على أن تُظهرنا كما نحن، لا كما نتمنى أن نكون .. لا تجامل ملامحنا حين نكون منكسرين، ولا تسترجع لنا لحظات الفرح التي مرّت

تقف ضد رغبتنا في التجمّل، وتُصرّ على أن تعكس الحزن حين نبحث عن عزاء، كأنها تقول: لا مفرّ من الحقيقة، ومع العمر الذي يترك آثاره على وجوهنا، ومع ثقل الواقع الذي يرهقنا، ومع إرهاصات التعب التي تتسلل إلى أعيننا

اشتهينا أن تجاملنا المرآة، أن تزيّن لنا ما تبقّى من نور .. لكنها تأبى، وتحملنا على مواجهة أنفسنا دون رتوش، دون رحمة

المرآة متلصصة حين نمرّ أمامها دون انتباه، ترصد ارتباكنا، وتكشف ما نحاول إخفاءه حتى عن أنفسنا ..  هل ترشدنا حين تكشف عن ملامح لم نعد نعرفها ..؟

هل تضعنا أمام حجمنا الحقيقي حين نبالغ في تصوّرنا لذواتنا ..؟

ومهما حاولنا أن نغضّ الطرف، تظل هي هناك،

تُصرّ على أن تقول لنا: هذا أنت .. الآن ..؟.

حقًا، المرآة ككثير من الأشياء، والآلات، والأدوات، والمظاهر التي تحيط بنا دون أن ندرك أبعادها، أو نُصغي إلى رسائلها الصامتة، نُحدّد لها وظيفة واحدة وحيدة: أن تعكس، لكنها في الحقيقة، تُواجه، تُفضح، تُعلّم، وتُربك .. فهل نحن من نختزل الأشياء، أم أن الأشياء هي التي تختزلنا ..؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق