رسالة موجهة إلى ...

أيها الأساتذة، إرجعوا من حيث أتيم فلقد خذلتكم كل إشارات المرور

عبد اللـه عزوزي

سأنطلق في صيحتي هذه من مضمون “المذكرة” أعلاه، التي أقلعت من الرباط وقفزت فوق الأسوار لكي ترفع من فائض الحماس والسعادة الذي نستمتع به في وزارة أصبحت أقرب إلى وزارة “مهنة المتاعب و السُكر” منه إلى وزارة التربية والتعليم. صعقة المذكرة، التي جاءت بطعم القانون المر، تقول أنه بخلاف ما جرت به العادة والقوانين المنظمة (القانون الأساسي) لمهن التعليم، والتي كانت تفتح الباب لكل نسائه ورجاله، الذين أمضوا 21 سنة من الخدمة الفعلية في قطاع التربية والتعليم، إمكانية الاستفادة من المعاش قبل بلوغ سن التقاعد القانوني، مقابل أجرة تقاعد نسبي، فإن الوزارة ارتأت، و بشكل انفرادي، الزيادة في هذه المدة تسع سنوات إضافية لكي تصل سقف 30 (ثلاثون) سنة ..! فعلا، لو سمعت أن هذا حدث، أو سيحدث، في دولة أخرى، لما صدقت، ولبرهنت على قناعتي بأن هذا نوع من القوانين الحمورابية والأدبيات الديكتاتورية.

الحديث عن هذه المذكرة، قد يجبرنا على الكلام في أودية عدة، يصعب معها الحفاظ على الصبر لإجلاء خيطها الناظم. وللتغلب على المحنة التي وضعتنا فيها أم رجال التعليم المحبوبة، سأتناول الموضوع من خلال الفقرات التالية:

كما يتتبع الرأي العام حاليا، محليا ودوليا، أن كل الدول التي فكرت في رفع سن التقاعد، ولو بغلاف زمني لا يتجاوز الثلاث سنوات في أقصى الحدود، لكن ذلك خلف ردود فعل قوية تجلت في التظاهر والتنديد، حتى وأن الفكرة كانت مجرد مشروع قانون قيد المناقشة بالجمعيات العامة والبرلمانات، ولم يدخل حيز التطبيق بعد. فكيف تجرأ وزارتنا على قرار بحجم تسع سنوات، لم يكلفها أكثر من بضعة دقائق لصياغته و بضع ثواني لتوقيعه ..؟ !

هل أصبح الذين يشرعون لهيأة التدريس مهندسين قادمين من وزارة الإكراه النفسي و البدني، أو دخلاء على هذه الوزارة ولا علم لهم بطبيعتها وطبيعة أطرافها المتغيرة و المتحولة باستمرار ..؟ إذا كان اشتغال 30 سنة (أي ما مجموعه ستة أجيال إن صح التعبير) يعني فقط وصول سن التقاعد النسبي، فإن الوجه الآخر لهذا الإدعاء يقصد به أنه بوسع سيدة وسيد التعليم بأن يشتغلا أكثر من ستين سنة بالتعليم، و أن يطفئان الشمعة التسعون داخل القسم وأمام تصفيقات تلامذتهم (من المضحك المبكي) الذين سيلتقطون لهم صورا ويعممونها على الفايسبوك طبعا ليحتفل العالم أجمع .. !

في الديموقراطيات النزيهة والشفافة، التي تحترم وطنها ومواطنيه، عندما تعتزم الحكومات – فبالأحرى الوزارة – تغيير مجرد قانون محدود التأثير وقد يكون خاصا بأقلية بعينها، تلتجأ تلك الحكومات إلى مسلسل ديموقراطي يبدأ بالوصول إلى سقف محدد من التوقيعات، يسمح لها الدستور بموجب أحد فصوله إجراء استفتاء وطني حول المقترح القانوني. ولعل ما قامت به سويسرا، قبل بضع سنوات في شان منع بناء الصوامع فوق دور عبادة الجالية المسلمة هناك، لخير دليل على ما نقول.

لا شك أن سياسة القائمين على قطاع التربية في مغربنا العزيز بصدد تنزيل سياسة ستقضي على آخر ما بقي من الأغصان الخضراء في هذا القطاع، غير منتبهين إلى، أو مقتنعين، بالمثل الدارج ” حافظ على حصانك، تحج عليه”. إذ سيتحول الفصل الدراسي إلى محرقة للكثير من أطر القطاع في غياب نظام قانوني يسمح بالتحديث والتجديد وإعادة تدوير الطاقات من أجل خلق ديناميكية مستمرة تنتج الثروة وترفع من الجودة وتبعث رسائل محفزة للذين يودون سلك “طريق الو حدة” الخاص برجال التعليم ونسائه.

لقد أصبحت مهنة التعليم من أصعب المهن على الإطلاق، والأكثر إلحاقا للضرر بمزاوليها، الذين دخلوها على حين غفلة من “دواير” الزمن التي روجت للإجرام وحاصرت القيم وأشاعت ثقافة الهاتف والتلفاز والإنترنيت…

الزمن، وجب القول، لم يخذل الصغار فقط، بل حتى الكبار .. إذ لم يمر أكثر من تسع سنوات على القرار الوزاري لحكومة إدريس جطو المتعلق بالمغادرة الطوعية للعمل بالمغرب، و المنشور تحت رقم 21/2004، و المعمم بتاريخ 14 ذي القعدة 1425، الموافق ل 27 دجنبر 2004. إذ يقف ذلك القرار على النقيض من هذا تماما. إذ وصف بالطوعي (voluntary /volontaire )، على غناه ودسامته، و سمح فيه للموظفين من مغادرة عملهم أفواجا، وبشكل نهائي، ومكنهم، علاوة على ذلك، من ملايين الدراهم و تقاعد أبدي مريح، وغالبيتهم حاليا من مزدوجي الجنسية ورجال الأعمال. في حين جاءت المذكرة بنكهة السجن والإكراه، لسد الخصاص الحاصل في الرأسمال البشري للقطاع، في الوقت الذي بحت فيه حناجر شابة من أساتذة سد الخصاص التي تطالب بخوض غمار الإدماج في الوظيفة والإدمان على الراتب ..!

فماذا يقول محترفي الكلام في المستجدات التعليمية في هذه النازلة، أم أنهم سينحازون للصمت مادام من ذهب، ويتركوا لنا الكلام مادام من غبار الطباشير ..؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق