للمستقلة رأي

رئيس المجلس الأعلى للتعليم وسوء الوعي بالهوية الثقافية للمجتمع المغربي

AZI

إن انتفاضتك يا رئيس المجلس الأعلى للتعليم لصالح وزير التربية الوطنية ضد رئيس الحكومة، لم تكن موفقة، وعوض أن تدافع عن الوزير بما يتلاءم وموضوع خلافه مع رئيس الحكومة، سمحت لنفسك بإبداء وجهة نظرك الشخصية في الموضوع التي تتعارض وقناعة المغاربة جميعا في الحرص على هويتهم الثقافية اللغوية العربية الواضحة، ذلك أن الجميع مقتنع بضرورة تعلم اللغات الحية، كما أشار إلى ذلك جلالة الملك محمد السادس في خطاب العرش، لكن هذا التعلم لا يعني طمس الهوية والتعريب، كما أن موضوع الخلاف بين وزير التربية الوطنية ورئيس الحكومة يتعلق بلغة تدريس العلوم في الإعدادي والثانوي حتى يتمكن طلبة الجامعة من استكمال تكوينهم الجامعي بيسر ويجدون الشغل بعد تخرجهم بسهولة.

من حقك أن تدافع يا رئيس المجلس الأعلى للتعليم عن وزير التربية الوطنية، وأن تعتب ماتواجه به قراراته أنها ردود فعل توجهها قناعات إيديولوجية وحزبية فقط، وأن قراره المرتقب تطبيقه في السنة القادمة مستمد من الرؤيا الإستراتيجية المستقبلية لإصلاح نظامنا التعليمي التي قدمت إلى جلالة الملك .. وبالتالي، أن هذه الضجة ضد الوزير بما فيها موقف رئيس الحكومة منه لا تمتلك أي شرعية، وفي هذا الإطار، يمكن أن نحاورك يا رئيس مجلسنا الأعلى للتعليم للتأكد من ما تريد الإفصاح عنه حول هذا الموضوع، إذ أن القناعة التي استخلصها جميع المغاربة من خطاب جلالة الملك بمناسبة عيد العرش هي ضرورة تعلم اللغات الحية لتعزيز انفتاح الوطن على محيطه العالمي، وانخراطه في حضارة الألفية الثالثة، مع تعزيز وتقوية الخصوصية والهوية المجتمعية الثقافية، وحتى قضية تدريس العلوم التقنية والطبيعية والإنسانية باللغة الأجنبية لم تتم الإشارة إليها في الخطاب الملكي، وإن كان لا مفر من ذلك، فيجب أن يكون هناك إجماع حولها مع الأطراف المهنية والنقابية والسياسية، فضلا عن ضرورة التدرج في استعمالها حتى لا يجد طلبتنا في الجامعة أي مشاكل في استكمال تكوينهم الجامعي، وفي والوصول إلى فرص الشغل بسهولة في النسيج الاقتصادي الوطني، وهذا ما لم تطرحه في دفاعك عن وزير التربية الوطنية يا رئيس المجلس الأعلى للتعليم.

إن المشكل مطروح بحدة في العلوم الرياضية والفيزيائية والميكانيكية والكهربائية وتكنولوجيا المعلومات وعلوم الأحياء والأرض والطب، نتيجة عدم استكمال مشروع التعريب الذي بدأ في عهد رئيس الحكومة عز الدين العراقي رحمه اللـه، ولا يزال طلبتنا في الجامعة يواجهون صعوبة التأقلم مع متابعة دراستهم في هذه العلوم التي تعلموها بالعربية في التعليم الإعدادي والثانوي .. ونظن في المستقلة بريس أن الموضوع يحتاج إلى مناقشة معمقة مع الأطراف المعنية، في أفق معالجة المشكل من جذوره البداغوجية في اللغة والبرامج والمقررات والمناهج حتى لا تظل معاناة الطلبة في التعليم الجامعي مع هذه المواد العلمية .. أما الحديث عن عدم القدرة على تعلم هذه العلوم بالعربية في الجامعة، فهذا رأي مغلوط وصاحبه يجب أن يعيد دراسته في اللغة العربية حتى يعرف ما تمتلكه في جميع التخصصات العلمية والأدبية والقانونية والسياسية، وأما المشاكل التي يواجهها من استكملوا دراستهم الجامعية فهي مرتبطة بالاقتصاد المسيطر عليه من قبل القوى العظمى الغربية التي ترغب في فرض لغاتها على الشعوب التي تتعامل معها اقتصاديا وسياسيا وثقافيا.

نحن مع ضرورة تعلم اللغات الحية العالمية حتى نتمكن من الاندماج والانفتاح مع ما يجري في عالم اليوم من جهة، وإثبات هويتنا المجتمعية الثقافية وفق ما تمكنت الدول الغربية من والوصول إليه بلغاتها التي لم تكن ولن تكون أرقى من لغتنا العربية، بالإضافة إلى أن هذا التعلم لهذه اللغات العالمية سيمكننا من حماية هويتنا وإغنائها، وإبراز عناصر قوتها في كل جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافيةـ وسيمنحنا الولوج إلى مجتمع المعرفة العالي التقنية الذي لا يمكن الدخول إليه بقوة إلا عن طريق استخدام هذه اللغات الحية، في أفق نجاحنا كعرب في فرض نموذجنا المعرفي التقني الذي يستطيع منافسة العقل التقني الغربي المسيطر حاليا، والاعتراف بهذا لا يعني خدش هويتنا الثقافية والروحية والحضارية، كما يروجها الرافضون للعقل والعلم والحرية والحداثة والتطور.

باختصار لهذا النقاش الذي لا نريد أن يخرج عن موضوع الخلاف بين وزير التربية الوطنية ورئيس الحكومة، نهمس في أذن رئيس المجلس الأعلى للتعليم، أن تدخله لم يكن موفقا لصالح وزير التربية الوطنية، وأن غيرة رئيس الحكومة على الهوية المجتمعية الثقافية صحيحة، ولا يختلف عليها المغاربة، وأن وزير التربية الوطنية أخطأ في المذكرة التانظيمية التي يريد تطبيقها في السنة القادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق