ملفات و قضايا

التشدد والتجاهل لا يقنعان المعارضة يا رئيس حكومتنا

ماذا يعني أن تكون إجاباتك صحيحة وصائبة دائما يارئيس الحكومة، إن لم تؤمن بأنك تخطئ كبقية الناس، وأن الخير والصواب مع من يعترف بأخطائه ويعمل على تجاوزها، إلا إذا كنت تصنف نفسك من موقع مسؤوليتك، وهذا ما لا يجب أن تقنع به في ردودك على المعارضة حول الأسئلة التي يطرحونها من موقعهم الذي يلزمهم بها، وإلا أيضا كنت مرتاحا لأغلبيتك العددية التي لا تساوي شيئا أمام معارضة الشعب التي لا يجب أن تتجاهلها اليوم وغدا.
اخترنا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، أن نحاورك من خلال هذه المقدمة حول منهجية حوارك مع المعارضة التي لا زالت تعتقد أنها تزايد على نهجك التدبيري الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي، وأنها لاتملك ما تستطيع به إرغامك على الاعتراف بانتقاداتها وملاحظاتها ومواقفها المخالفة لتوجهاتك ومضامين إجاباتك .. ولتسمح لنا السيد رئيس الحكومة أننا نخالفك الرأي في هذه المنهجية التي تقتل الديمقراطية في أبسط الجينات الحيوية التي تقوم عليها، وإلا ما الحاجة إلى تكريسها في نظامنا السياسي والاجتماعي والثقافي ..؟ وما قيمة وجودها إذا لم تكن لها فوائد ومكاسب بالنسبة لمن يشتغل على قيمها ومبادئها وأهدافها، ونعتقد أنك تريد أن تبرهن عن إلزامك بها بطريقتك المخالفة لأبسط مظاهر التعبير عنها.
ويحق لنا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، أن نسائلك عن هذه الانفعالات الغاضبة التي تجيب بها محاوريك في البرلمان ..؟ وهل تعتقد أن الإصرار على خشونة ورعونة الإجابة كفيل بإقناع من يختلفون معك في التصور والتحليل والمواقف ..؟
إن التشدد في المواقف وتجاهل آراء الآخرين لا يساعدان على الإطلاق على تكريس قيم الحوار الديمقراطي المنتج والمتحضر، و لا يسمحان أيضا في الاعتراف بشرعية وحرمة الرأي الآخر المعارض والمخالف .. وبالتالي، لا يوفران شروط الإغناء والاجتهاد والنقد البناء التي لا مفر منها لمن يوجد في موقع المسؤولية اتجاه المعارضة الشرعية في وجودها وفي مواقعها، وإن كنت يا رئيس الحكومة تمتلك الأغلبية العددية التي تؤمن جواز مواقفك وآرائك وقراراتك، إياك أن تعتقد بدوام الحال والبقاء المطلق، فكل شيء في العالم نسبي وغير قار إلا اللـه سبحانه وتعالى، ونعتقد أنك في غير حاجة إلى الوعظ الديني والأخلاقي، إنما نذكرك فقط بأن العناد والإصرار عليه لا يجعل ميزان القوى في صالحك دائما.
إن الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها الوطن واضحة المعالم في كل جوانبها، ولسنا في حاجة إلى إرشادك إلى تداعياتها الملموسة في حياة فقراء وكادحي المغرب، ولاشك أنك على يقين بأسبابها وتعلم اللوبيات المتحكمة فيها، ومفاتيح التغلب عليها ومن يضغط من أجل استمرارها، وتدرك كذلك الحلول الكفيلة بتجاوزها، وتؤمن بقوة تحليلات المعارضة حولها، إلا أنك لا تملك التصرف والقدرة على مواجهة الضغوط وتغيير ميزان القوى لصالح من يعانون من تداعياتها في مظاهر حياتهم اليومية.

إن أبسط ما يمكن أن تعبر عنه هو الاعتراف بثقل الأزمة ومن يقف وراءها، والبحث في الحلول مع من ينصحك بها، ويحاول توجيهك إليها بعيدا عن لغة حوار الصم، خصوصا أنك في الموقع الذي يقتضي منك الإنصات والتجاوب والتعاون، عوض الرهان على العناد والتشدد والتجاهل الذي لم يقدم جديدا لصالحك حتى الآن.

إن تدبير الخلاف والرفع من مستوى الحوار مع المعارضة، لا يعني بالنسبة إليكم يا رئيس الحكومة أن تكون ردودكم بهذه الصلابة في الهجوم والرفض لكل ما تعبر عنه اتجاه أداء حكومتكم، انطلاقا من اطمئنانك إلى الأغلبية العددية التي تمتلكها اليوم، إذ ليس في كل مواقف المعارضة ما يستحق هذه الفروسية القبلية التي تمارسها في أجوبتك التي تكون بعيدة في الكثير منها عن موضوعات مداخلات المعارضة.

بقي أن نوجه انتباهك يارئيس حكومتنا الموقر أن ما عبرت عنه اتجاه الإعلام مجانب للصواب والاحترام، الذي يجب أن يوجه إلى من يعبرون عن الرأي العام اتجاه تدبيرك للشأن العام، وأن هذا الإعلام تجاوز دوره الإخباري والنقدي والتنويري، فأين نحن يا ترى من هذا الإعلام الذي لم يعد مسؤولا ومهنيا اتجاه العمل الحكومي ..؟ وهل تتجاهل يا رئيس حكومتنا المحترم أن الإعلام بكل وسائل التعبير عنه سلطة رابعة أساسية في أي نظام دستوري ديمقراطي ..؟ وأن دوره كسلطة رأي عام معني بإبلاغك ونقدك، وأنه مطالب بالموضوعية والمهنية في أداء رسالته، واعلم أننا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، ضد الإعلام والصحافة المخدومة والمأجورة، ونرفض أن تتراجع مصداقية شرف ونبل الممارسة الإعلامية والصحفية، وأن للإعلام والصحافة دورا استباقي وإخباري ونقدي لا يجب الاستخفاف به من قبل الفاعلين، وأن رصد جوانب القصور والتجاوزات والأخطاء من صميم المهمة المقدسة للإعلام والصحافة ..؟
ختام، حينما نطالبك يارئيس حكومتنا بالتواضع والحلم في مواجهة معارضيك، فنحن في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، لا نعط شيكا على بياض أو نشرعن السلوك الإعلامي والصحفي المنحرف والانتهازي، أو نتضامن مع من يريد نشر غسيله عن حزبه أو نقابته على حساب شرف وكرامة أي مواطن، فبالأحرى أن يكون مسؤولا، لذلك لن نكون بجانب من لا يملك القدرة على معارضتك البناءة والقادرة على طرح البدائل المعالجة للمشاكل والقضايا المطروحة، لأن زمن المعارضة السلبية والمرضية انتهى، ومن أراد أن يكون ديمقراطيا فعليه أن يتقبل ثمن هذا الاختيار مع الآخرين الذين يختلفون معه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق