أحزاب و نقابات

المغاربة ليسوا أصواتا انتخابية جاهزة حسب الطلب يا أحزابنا

2016 A

مع اتساع رقعة التراشق الإعلامي بين أحزابنا السياسية مع اقتراب الاستحقاق التشريعي في اكتوبر المقبل، أضحى قياديو مخلوقاتنا الحزبية مصرين على ادعاء القدرة على الاكتساح الانتخابي كأن المواطنين أصبحوا أصواتا انتخابية جاهزة حسب الطلب، وهذا ما يتعارض وحقيقة ثقل أحزابنا في مشهدنا السياسي الوطني، حيث لا يمكن لمن يوجد في الأغلبية أو المعارضة المغامرة بهذا الادعاء في واقعنا السياسي الوطني الحالي الذي نعرف فيه أحجام وأوزان هذه الكائنات التي لا تتحرك إلا في المناسبات الانتخابية باستثناء أقلية منها فقط.

ترى هل تدرك القيادات الحزبية، سواء في الأغلبية أو المعارضة أو التي توجد خارجها هذه الحقيقة، ومن أن المغاربة لم يعودوا مع منظومة التواصل التي لا زالت أحزابنا تحرض على الاستمرار عليها، وأن التغيير يجب أن يعرف طريقه إلى العلاقة التي تربطهم بالمواطنين في المناسبات الانتخابية، وأن هذا النموذج من العلاقة الموسمية مع المواطنين لا يعبر عن تطور ملموس للعمل الحزبي في تشكيل القاعدة الانتخابية التي يحتاج إليها الفاعلون للحصول على ثقة الناخبين على برامجهم الانتخابية .. فالمفرقعات المعبر عنها في جبهة أحزاب اليمين المحافظ والليبرالي لم تشر إلى التقدم في الرؤيا والتحليل والتقييم، حيث يتجه التناحر بين أحزابها إلى تكريس التنافس الاستئصالي، كما هو الحال في صراع حزب العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، أو في الصراع بين العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار، أو بين هذه الأحزاب وحزب الاستقلال، وجميع هذه الأحزاب في جبهة اليمين لم تعرض بعد ما يوحدها، ما يشير إلى الاختلاف في مواقفها .. أما الواقع في أحزاب اليسار فيظهر أن الاتحاد الاشتراكي الذي فشل في ترتيب بيته الداخلي سيؤثر على علاقاته مع بقية أحزاب اليسار، سواء مع حزب التقدم والاشتراكية أو الاشتراكي الموحد وباقي الأحزاب اليسارية الصغيرة، فبالأحرى أن تضع هذه الأحزاب جميعها ما يناسب مواجهتها لأحزاب اليمين في البرنامج الانتخابي الكفيل باستعادة الحركة والقوة إلى جبهة اليسار التي تراجعت أسهمه في الانتخابات الجماعية الجهوية الأخيرة، وإذا لم تتحرك قيادات اليسار خلال ما تبقى من الزمن الذي يفصلها عن الاستحقاق التشريعي ستكون أمام هزيمة انتخابية أخرى، ستعمق أزمة تواصلها مع المواطنين الذين يتطلعون إلى عودة إشعاعها ونشاطها التاريخي الذي لا أحد يمكنه التنكر لثماره في جميع المجالات .. وعلى هذه الأحزاب أن تعتمد على حضورها الحالي عبر أذرعها النقابية التي يمكن أن تساعدها على تحسين صورتها، كما يمكنها أيضا أن تستفيد من تجربة وجودها في المجتمع المدني والجمعوي.

ما بقي في الساحة السياسية من أحزاب، كالحركة الشعبية والاتحاد الدستوري والأحزاب الصغيرة يجب عليها أن تشكل جبهة للوسط، وأن تطرح برنامجا انتخابيا يعبر عن توجهاتها الوسطية المغايرة لأحزاب اليمين الكبيرة ولأحزاب اليسار، وأن تبحث لها عن الشرعية في المجالات التي فشلت الأحزاب الكبرى في إيجاد الحلول والمشاريع للقضايا المطروحة فيها إن أرادت أن يكون لها وجود في الاستحقاق القادم.

إن التواصل الانتخابي الذي ينحصر في عرض البرامج الانتخابية لم يعد مقبولا من عموم المواطنين، والدليل على ذلك نسب المشاركة في العمليات الانتخابية في المدن التي تحتاج من جميع الأحزاب أن تخرج عن الصمت لشرح أسباب ذلك .. وبالتالي، أن منهجية العمل التي تشتغل عليها جميع الأحزاب حان الوقت إلى تغييرها إن كانت هذه الأحزاب تعرف وتقدر قيمة أصوات المواطنين التي لا يجب أن تكون حسب الطلب من قبل هذه الأحزاب التي تراجعت قيمتها في نظر أغلبية الناخبين، فبالأحرى عموم المواطنين.

هل سنعيش عل أنماط جديدة في الاستحقاق التشريعي المقبل ..؟ وهل ستنزل هذه الأحزاب إلى المواطنين قبل الانتخابات لعرض الحصيلة، سواء كانت في الأغلبية أو المعارضة ..؟ وهل سيتاح للمواطنين ممارسة حقهم الدستوري في المحاسبة والمساءلة لكل الذين سيتقدمون إلى الانتخابات المقبلة ..؟ وهل ستعرض جميع الأحزاب بأن تكون رهن إشارة المواطنين لتجسيد هذا التواصل الديمقراطي مع عموم المواطنين حتى لا يبقى هناك مجال لاستمرار أساليب الدعاية الانتخابية المنحرفة التي تضر بمصداقية العملية الانتخابية في نهاية المطاف ..؟

ليس لنا في المستقل بريس، أي مشكل أو اعتراض على الانفتاح على جميع الأحزاب للإنصات إلى مواقفها وأجوبتها على الأسئلة التي استعرضنا بعضها في هذه المناقشة قصد تقديم تصوراتهم حولها، ومناقشة الآراء الأخرى التي تتعارض مع وجهات نظرهم وتوجهاتهم حول المسألة الحزبية والانتخابية، وسنكون في قمة السعادة إن كانت لهم مشاركة في هذا المجال حتى تتم عملية إغناء الحوار المفتوح حول هذا الموضوع، والذي يجب توسيع مساحته في كل الاتجاهات في أفق السماح للمواطن الناخب بمعرفة الأطراف الحزبية المتصارعة على مقاعد البرلمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق