أخبارمتفرقاتمجتمع

شاب يزرع الرعب في حي الانبعاث والأمن في سبات

 

منصف الادريسي الخمليشي

ها نحن أمام مشهد جديد من سلسلة “أحفاد بن حمد”، لا في فيلم بوليسي ولا في قصة خيالية، بل وسط أزقة حي الانبعاث بمدينة سلا، حيث تُولد الحكايات على هامش الصمت، وتُمزَج الثقافة والفن والعلم، أحيانًا، برائحة الخوف، وضجيج التهديد، و وقع الكلمات النابية التي تخرق السكون كما يخرق السكين اللحم الحي

في هذا الحي العريق، ألف الشاب (ح.ب)، وهو في مقتبل عقده الثالث، أن يملأ الفضاء العام بعبارات لا صلة لها بلباقة الحوار ولا بأدبيات الحياة المشتركة .. يتكلم بصوت عالٍ عند الفجر، ويسبّ في الزوال، ويقذف في المساء، غير آبه بمن حوله، ولا بطفل يستيقظ مفزوعًا، أو امرأة تُطأطئ رأسها خجلًا من كلامه

أما الأهل، فهم كعادتهم، يرفعون لافتة “المرض النفسي” .. تلك الشماعة التي تُعلّق عليها كثير من الجرائم القادمة، وتُجهض بها كل محاولة للمساءلة وكأن المرض النفسي في المغرب صار بطاقة عبور إلى الإفلات من العقاب، لا نداءً للعلاج والرعاية .. لكن، إلى متى هذا السكوت ..؟

وهل ننتظر تكرار سيناريو “سفاح سلا” أو “جزار تمارة”، حتى نقول: لقد كنّا نعلم .. لكننا، صمتنا ..؟

التهديدات التي يتفوه بها (ح.ب) ليست مجرد كلمات طائشة، بل هي أفعال مُجرّمة صراحةً بمقتضى القانون الجنائي المغربي .. إذ، أن الفصل 425 من القانون يعاقب على التهديد بارتكاب جناية ضد الأشخاص أو الممتلكات بالحبس من ستة أشهر إلى خمس سنوات:

وإذا لم يكن التهديد مشروطًا، فإن الفصل 426 ينص على الحبس من شهر إلى سنة

أما السبّ والقذف، واللذان باتا جزءًا من يوميات سكان الحي، فهما كذلك لا يمرّان دون عقوبة:

وفق الفصل 442، يُعاقب كل من قذف غيره بإسناد وقائع تمس شرفه بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة مالية

أما الفصل 443، فيُشدّد العقوبة في حالة السب العلني لتصل إلى سنة سجنية وغرامة مالية كبيرة .. ويضاف إلى ذلك الفصل 444 الذي يرفع سقف العقوبات إذا تم القذف أو السب عبر وسائل النشر أو في الأماكن العمومية

أمّا الصوت العالي والكلام البذيء الذي لا يغيب عن أي ساعة من ساعات اليوم، فيقع تحت طائلة الفصل 607 الذي يعاقب على إزعاج راحة السكان عن طريق الضجيج أو الصياح أو الكلام الفاحش، بالحبس من شهر إلى ستة أشهر، وغرامة تصل إلى 1000 درهم

في هذا السياق، لا يعود الأمر مجرد “إزعاج بسيط”، بل هو إرهاب نفسي جماعي تُمارسه أقلية على مجتمع صامت، مغلوب على أمره

أن يقول الأهل: “ابننا مريض”، لا يعني أن ننتظر حتى يفي بوعده الخفي، الذي يهدد به الجيران في كل نوبة غضب.

قد نُفاجأ ذات مساء بخبر في النشرة المسائية:

“أُلقي القبض على شاب يعاني من اضطراب نفسي بعد أن ذبح جاره، وقطع جثته إلى أشلاء، بل التهم جزءًا منها، أو اختطف فتاة من الحي واعتدى عليها.”

ثم ستُغلق القضية بشهادة طبية تؤكد أنه لا يعي ما يفعل، ولا متى يفعل، ولا أين

لكن مهلاً، هل المرض النفسي يُعفي المجتمع من مسؤوليته ..؟

وهل لا يحق للجيران المطالبة بالأمن، والسكينة، واحترام القانون ..؟

في المغرب، البلد الذي يستعد لاحتضان كأس إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، نحتاج أكثر من ملاعب وحديث عن السياحة الرياضية .. نحتاج إلى عدالة قريبة من المواطن، تردع قبل أن تنقضّ، وتوقظ مؤسسات كانت نائمة حتى استفاق الدم .. هذه الأفعال اليومية ليست مجرد انحراف شخصي، إنها فشل مؤسساتي في الوقاية والتدخل والمعالجة .. فالدولة مسؤولة عن حماية المواطنين، سواء عبر الأمن أو الصحة أو القضاء، ولا يمكن لها أن تكتفي بدور المتفرج

فالمادة 1 من قانون محاربة العنف ضد النساء (103.13) تنص على تجريم العنف النفسي واللفظي، خصوصًا إن تم عبر الهاتف أو الفضاء العمومي أو منصات التواصل

وإذا كان (ح.ب) يفعل ذلك بشكل متكرر، فهو ليس فقط “مريضًا”، بل فاعلًا تحت علمه وإرادته، في غياب المتابعة أو حتى التحذير من قبل السلطات .. هل ننتظر مجزرة حتى تتحرك النيابة العامة ..؟

هل نكتفي بكاميرات الملاعب، ونتغافل عن كاميرات المراقبة التي تسجل التهديدات اليومية في الأحياء ..؟

السكوت على هذا النوع من السلوك هو تواطؤـ وهو إيذانٌ بخطر داهم، والذين يُطلقون الألقاب الرومانسية كـ “مريض نفسي” على كل من يسبّ ويهدد ويقذف، سيتحملون الوزر الأخلاقي، وربما القانوني، عندما يقع المحظور

في زمن ينشد فيه المغرب صورة مشرقة أمام العالم، يُطلب منه أولًا أن ينظّم أمنه الداخلي، ويُؤمن سكانه، ويُفَعّل قانونه، لأننا لا نريد أن نقرأ في الغد .. لقد سبق أن هدد، وسبّ، وتوعد .. لكن، لا أحد تحرك.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق