جماعات و جهات

حول الديمقراطية المحلية المفترى عنها ..!

جميل أن يقدم المعنيون بالتجربة الجماعية والجهوية في الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني بالتعبير عن وجهات نظرهم حولها من حين لآخر، وخاصة حينما تكون هذه التجربة على ضوء الانتهاء من إجراء الانتخابات المتعلقة بها، كما هو حال التجربة الحالية التي ستجري انتخاباتها في أواخر سنة 2015، ومن ذلك ما جاء في إحدى افتتاحيات جريدة “رسالة الأمة” تحت عنوان: ” أي مستقبل للديمقراطية المحلية ..؟ “، فماذا يريد صاحب هذه الافتتاحية من عنوانه ..؟ وهو الذي يعلم عن قرب واقع التجربة الجماعية وما قدمه حزب الاتحاد الدستوري حتى الآن من أجل تطويرها والارتقاء بها، وهل يعرق صاحبنا أن جل ملاحظاته وجهت للحكومة باعتبارها المعنية بالتنزيل الدستوري وتطوير الآليات الديمقراطية من خلال القوانين التي ستوضع أمام غرفتي البرلمان لمناقشتها والمصادقة عليها، في الوقت الذي يتجاهل فيه دوره مع باقي أطياف المعارضة التي تنكب على الصياغة النهائية لمشاريع القوانين التي سيتم اعتمادها في الانتخابات الجماعية الأولى بعد دستور 2011، ولينتقل بعد ذلك للحديث عن الحملة للتسجيل في اللوائح الانتخابية التي كان لا مفر منها، التي انطلقت منذ 22 دجنبر 2014، وانتهت في 19 فبراير 2015، وللحديث عن الجدل الذي لا يزال قائما بين الأحزاب والحكومة حول مشروعي القانونين المتعلقين بالجماعات الترابية وقانون الجهة ليخلص إلى أن الحكومة ستعمل على تمرير مشاريع القوانين قبل استكمال النقاش والتفاوض حولها بدون بلورة الأهداف التي ستستجيب لانتظارات المغاربة، خاصة تطوير الممارسة الديمقراطية المحلية والمقاربة التشاركية التي تعزز تدبير الشأن المحلي كما هو قائم في الدول التي سبقتنا إلى ذلك، في الوقت الذي كان عليه أن يطرح في هذه الافتتاحية الصعوبات والإكراهات التي تحول دون تحقيق التوافق والتراضي في اللجنة الوزارية البرلمانية التي تشتغل على مشاريع القوانين، مما يعني أن الأبواب المغلقة والانفراد بصياغة القرارات في هذا الشأن من ضرب الخيال وتبرئة الذمة من المشاركة الفعلية في كل الخطوات وحتى وإن كانت للمعارضة تصورات واجتهادات من شأنها الارتقاء بالنصوص قبل المصادقة البرلمانية عليها، فيجب عرضها على الرأي العام لإشراكه في معرفة المسكوت عنه الذي ربما لن تطرحه الصياغات النهائية للمشاريع القانونية.
إننا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، نعرف الأطراف المقصرة في المجال التشريعي، ونعرف حاجة الأغلبية الحكومية إلى تمرير مشاريع القوانين التي تضمن مصالحها، ولكن هذا لا يعفي المعارضة والمجتمع المدني والجمعيات التي تشتغل في هذا المجال من الدفاع عن تصوراتها في نقاشات مجتمعية مفتوحة قد توفر لها السند والدعم الذي يحول هذه التصورات إلى اقتراحات ومشاريع قابلة لأن تكون في صياغة المشاريع التي ستعرض على البرلمان، ونظن أن حجج المعارضة واهية انطلاقا من تقصيرها في التعبئة من أجل فرض مطالبها في هذه القوانين الجديدة، بدل التباكي على انفراد واحتكار الحكومة بذلك، خصوصا إذا لم يكن هناك من تواصل هذه الأطراف المعارضة الحزبية والنقابية والمدنية مع المواطنين، وعلى نقيض ما ذهب إليه كاتب افتتاحية “رسالة الأمة” حول هذا الموضوع، نؤكد من موقعنا قي النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، أن التعاطي مع الديمقراطية المحلية من هذا الجانب القانوني، وأن الانتقادات لا تتحمل الحكومة وزرها فقط، وأنه كان من الطبيعي أن توجه للمجالس التي سيرتها المعارضة خلال هذه التجربة كذلك، وأن عجز الحكومة على فتح الحوار المجتمعي حول القوانين الجديدة المرتبطة بالنظام الجماعي والجهوية الموسعة والقانون التنظيمي للعمالات قبل تقديمها للبرلمان قصد المناقشة والمصادقة عليها لم تقم به أحزاب المعارضة كذلك، ولو مع مناضليها في الفروع والقطاعات الجماهرية التابعة لها، وأن التنزيل الدستوري لهذه القوانين كان يجب أن تكون فيه بصمات المعارضة واضحة انطلاقا من مشاركة ممثليها في صياغة هذه القوانين.
نحن في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، لا نختلف مع كاتب الافتتاحية في مسؤولية الحكومة في وجود هذا النقاش العمومي أولا، وأن مشاركة النخب المحلية القادرة والمؤهلة للانخراط في هذه التجربة الديمقراطية المحلية تتطلب النقاش مع الأحزاب والنقابات حول ما قامت به في هذا الصدد، مادامت هي المعنية بالبحث والتأهيل لهذه النخب الحزبية التي ستدير هذه المجالس الجماعية والجهوية، وما دامت أيضا مسؤولة عن البرامج الانتخابية التي ستشارك بها في هذه الانتخابات الجماعية والجهوية.

من هذا المنظور النقدي يمكن النقاش حول “أي مستقبل لديمقراطيتنا المحلية” فالوعاء القانوني والسياسي للقوانين التي سيتم اعتمادها للمجالس الجماعية والجهوية لا يمكن الارتقاء بوعي المواطنين بمضامينها إذا لم تتحرك الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني من موقعي الأغلبية والمعارضة لتفعيل الحوار المجتمعي حولها الذي يجب أن يكون حول الحصيلة ونتائج التجربة حتى الآن، وحول ما يجب أن تكون عليه في المستقبل، وبدون ذلك سيظل الرهان على التخيل الافتراضي الذي لن يعالج ما يحول دون تطور التجربة الديمقراطية المحلية والوظائف المسندة إلى النخب المحلية فيها، سواء في الظرف الراهن أو المستقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق