نافذة على الثقافة و الفن

شتان ما بين زرياب زمان و ( زرياط ) الآن ..!

 

العود

نعجب للظاهرة التي انتشرت في الآونة الأخيرة والمتجلية في توزيع الآلقاب الفنية .. والأستاذية بطرق مجانية وغير مفهومة، بحيث ما نلبث أن نسمع على سبيل المثال لا الحصر .. ( و خصوصا من بعض معدي و مقدمي ومنشطي البرامج التلفزيونة ببلادنا ) هذا مطرب ذو حنجرة ذهبية أو هذه مغنية ذات صوت دافيء وأخرى ذات صوت ملائكي .. فلان ملحن مقتدر .. علان عازف ماهر.. فرتلان فنان كبير والآخر سلطان الطرب الشعبي .. وذاك أستاذ بارع وغيره كاتب مبدع (…) وهذا مسرحي متمكن وتلك ممثلة فذة، وهذا مخرج ماهر .. ولم ينحصر الأمر أبدا عند هذا الحد، بل وصل ببعضهم أن تجرؤوا وسمحوا لأنفسهم باطلاق اسم زرياب على كل من تعلم الضرب كغيره على الأوتار بطريقة عادية ومتعارف عليها .. مع العلم أنه لم يبدع ولم يبتكر شيئا، ورغم أنه لم يضع حتى لحنا واحدا ينسب إليه أو .. أو .. الخ.

وتجد هؤلاء ( هواة الألقاب ) متناسين أو متجاهلين بالمرة ما كان يحظى به زرياب الحقيقي الذي يحبون اليوم حمل اسمه من مكانة بين عازفي آلة العود في زمانه .. إذ أن التاريخ الموسيقي يشهد أن الرجل كان يعتبر رمز حضارتي المشرق والمغرب، وحامل لواء الغناء العربي لدولة بني العباس و بني أمية في قرطبة .. وأنه لم يكن في يوم من الأيام (زرياطا) كما هو حال بعض عازفي العود عندنا اليوم، الذين أعماهم حب المصالح الذاتية عن سلك سبل الاجتهاد حتى أصبحوا يعتمدون في معاملاتهم فقط على ( الجبهة – الصنطيحة) تارة، والتملق ومسح أطراف المعاطف لأولي نعمهم تارة أخرى، و أضحوا لا يخلو منهم أي مكان وزمان .. يبحرون في جميع الاتجاهات .. وضد كل التيارات، يشاركون في اللقاءات الفنية، و يسجلون أنفسهم ظلما وعدوانا ضمن لوائح لجن التحكيم، وعيبهم الوحيد أنهم لا يكلفون أنفسهم عبء الاستفادة من الأشياء، ويدعون الفطنة والبراعة في كل شيء، رغم خوائهم وقصر أيديهم.

إذن أين مثل هؤلاء من زرياب – الذي ماذا سيقول لو بعث حيا – هذا الذي اشتهر باعتزازه بنفسه وموهبته إلى حد رفضه استعمال آلة عود أستاذه ” اسحق الموصلي” عندما طلب منه الخليفة الرشيد الغناء .. حيث تعجب الرشيد متسائلا عن سر امتناع زرياب عن استعمال عود أستاذه، فأجابه زرياب بكل جرأة : ” إن كان مولاي يرغب في غناء أستاذي غنيته بعوده، وإن كان يرغب في غناء زرياب فلا بد لي من عودي” .

إذن، هل أصحابنا الذين نخوض في الحديث عنهم اليوم يملكون مثل جرأة وفطنة وحتى عفة زرياب حتى يتخذوا اسمه لعبة بين أيديهم ويجيزون لأنفسهم التصرف فيها كما يشاؤون ..؟ وهل يملكون من العمل ما يجعل الناس يعجبون بهم وبما يفعلون ..؟ كما أُعجب الرشيد بجمال وصف زرياب، حيث أمره بالغناء حتى أسكر الخليفة من جمال صوته، إذ ذاك دب الحسد في صدر اسحق فخيره بين ترك البلاد وبين اغتياله .. فآثر زرياب الهجرة ورحل عن بغداد إلى قرطبة ببلاد الأندلس، فكان بلبلا .. وسطع نجمه، وسما في سماء البلاد الأندلسية، حيث أصبح رئيسا للمغنين وشيخا للعوادين وإماما للمخترعين في صناعة العود، وليس (زرياطا ) كبعض عازفينا الذين لايبحثون، ولا يخجلون من أنفسهم و من العباد.

فإلي إخواننا نسدي نصيحة، ربما تنفعهم .. كفاكم من التسلط على الألقاب، ويكفي من زرع الألقاب هنا وهناك لحاجة في نفوس معدي البرامج دون حسيب ولا رقيب، ولمعلوماتكم أيها السادة، فإن آلة العود تعتبر من الآلات الموسيقية الرئيسية التي قامت بدور فعال في أزهى الحضارات المختلفة .. وقد عرفتها معظم الحضارات القديمة وازدهرت في العصور العربية الزاهرة “العصور الوسطى” كما عرفتها أوروبا في عصر النهضة ” العصر الذهبي” و كان حظ هذه الآلة أوفر بالمقارنة مع ما تحظى به آلة العود عندنا ليوم، بحيث أصبحت تستعمل في غير مهمتها وعلى طرق أخرى لا ترضي المشاهد .. ألسنا محقين لما عنونا إشارتنا هذه ب. “شتان ما بين زرياب زمان و ( زرياط ) الآن ..!”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق