أخبارنافذة على الثقافة و الفن

متى تثير الحكومة الاجتماعية على نفسها أساتذة سد الخصاص ..؟

driss lachhab

 

عبد الله عزوزي

طبعاً لم يكن من العبث أن يدخل تاريخ وزارة التربية الوطنية اسم مهني تحت مسمى ” أساتذة سد الخصاص”. لكن العبث سينتشر في الأرض إذا ما أدارت الوزارة الوصية، ومن فوقها رئاسة الحكومة، ظهرها لهذه الفئة التي قُدِّرَ لها أن ترى الوظيفة وتمارسها على أرض الواقع كما لو أنها كانت في حلم أو رؤية. التقت الوزارة بتلك الفئة في منطقة (Zone) اسمها الخصاص .. لكن، نيابات وزارة التربية الوطنية دخلت المنطقة المشتركة بِنية “الاستغلال” المقنن والمقنع، ناظِرةً إلى أساتذة سد الخصاص على أنهم عَجلةُ احتياط ستقطع بها مسافاتٍ معينةٍ قبْل أن تلقي بها على جانب الطريق، أو تضعها بجوار المتلاشيات المحفوظة في المرأب الخلفي للنيابات .. وعلى العكس من هذه المقاربة الضاربة في أعماق الاستغلال والحاطة من كرامة الانتماء المغربي، فإن النَّفَس الذي ولج به الأساتذة “المُعارُون” ميدان العمل كان كأنه يَسْتلهِمُ روح الآية الكريمة ” لاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ”.
لكن في غمرة الحرب الأيديولوجية المشتعلة بين التيار العلماني الذي يريد أن ينبعث من الرماد و بين تيار الإصلاح المحافظ، وفي ظل انشغال المناضلون، سواء فوق أرض الواقع أو في العالم الافتراضي، بتبعات تلك الحرب التي تولدت عنها ظواهر كثيرة جداً كمسيرة يتقدمها الحمير، والتراشق بالكلام، ونسف الجلسات، و إعادة ترقيع الصناديق، مرورا بسحر الصناديق الانتخابية الصغرى والكبرى، وصولا إلى التقاعد وعلاقته “بجوج فرنك”، و 22 ساعة، واصطدام مسيرات الأطباء والأساتذة المتدربين بقوات حفظ الأمن، وإقالة بادو الزكي …، فإن واحدة من أهم الفئات التي اكتوت بانشغالات الرأي العام بتلك الفرقعات السياسية، الناتجة عن صراع الإيديولوجيا السوداء مع الأيديولوجيا البيضاء، هي فئة سد الخصاص.
لا أخفيكم أن إثارتي لهذا الموضوع جاءت بعد إلحاح مواطن خاض تجربة سد الخصاص بنيابة تاونات لأزيد من أربعة مواسم، هذا الأستاذ يحمل إجازة في الدراسات الإسلامية منذ أوائل التسعينات، وهو الآن رب أسرة متعددة الأفراد، وهو بمجيئ حكومة “لا للتوظيف بدون مباراة” سنة 2012، كان قد تجاوز السن المسموح به عند ولوج الوظيفة العمومية، فهو اليوم على مشارف الخمسين، عُمُرٌ أمضى نصفه تحت حكومات كانت تُوَظِّفُ الانتماء الحزبي ومختلف أصناف الولاءات عند كل تَوظيفٍ، كما أن جغرافية المكان وخطوط الطول والعرض، التي تحاصره على تخوم جماعة تمضيت، لم تسمح له بركوب موجة التهديد بالانتحار من فوق أسطح الوزارات و مقرات الأحزاب ..، و لم يكن له قن سري (PIN) يفتح به قلوب لجن المقابلات الشفوية أو أرباب الشركات.
الأستاذ إدريس لشهب (أنظر الصورة)، كباقي زملائه في التجربة والمحنة، يعيش وضعاً مأساويّاً لا يختلف البتة عن الفئات التي يَرُقُّ قلب رئيس الحكومة لها، كالأرامل والطلبة، والمتقاعدين وذوي الاحتياجات الخاصة…
ترى، هل من القيادة في شيء أن تعجز الدولة، بقوتها وهيبتها وعظمة دستورها، أن تعتذر لفئة مهنية استعملتها ذات يوم في أداء رسالة ذاتُ بُعْدَيْن: تنوير عقول الناشئة، من جهة؛ وتحقيق السلم الاجتماعي من جهة ثانية، ماذا كان سيترتب عن بقاء مدارسٍ بقرى و مداشر دون أساتذةٍ ..؟ ألم يكن الأمر ليتسبب في زعزعة الاستقرار وخلق اضطرابات جراء غياب من يملأ الفراغ ..؟
ألا ترى الوزارة أنه عند انقضاء آجال أولائك الأساتذة، فإنهم سيحاسَبون (جزاءً أو عقاباً) على ما قدموه أو أخروه خلال تلك السنوات التي اقتطعوها من أعمارهم وقدموها قرباناً لوزارة الحضارة و القيم ..؟ لكن، كيف لهم في حالة العقاب أن يحاسبون كأساتذة و الوزارة مصرة على أن تكون منهم براء ..؟
تاريخ وزارة التربية الوطنية ظل على مر السنوات والحكومات المتعاقبة مسرحاً لعدة استثناءات إنسانية و مقاربات تَحَكَّم فيها الضمير الأخلاقي والاجتماعي؛ وأُثير هنا بعضاً منها، مثل تعيين أساتذةٍ كمُكلفين بالتفتيش ثُمَّ إقرارهم كمفتشين بعد ذلك دون المرور بمركز تكوين مفتشي التعليم؛ ثم مسألة توظيف ما اصطُلِح عليه بأشبال الحسن الثاني؛ مرورا بالتوظيف المباشر تحت طائلة التهديد بالانتحار (فترة 2004–2011)؛ وصولا إلى قرار رئيس الحكومة الأخير القاضي بوقف قرار عزل 120 أستاذاً بعد فشلهم في اجتياز امتحانات الكفاءة التربوية و الأهلية البيداغوجية.
قضية فشل الحكومة الحالية، التي أوشكت على إنهاء ولايتها، في إيجاد حل عادل ومنصف لفئة أساتذة سد الخصاص ستبقى وصمة عارٍ على جبين كل ذي سُلطةٍ واختصاص؛ وستظل قصةً يحكيها الآباء للأبناء، أبناءٌ فتحوا أعينَهم على أُمٍّ أو أبٍ كان يتأبط المحفظة المهنية كل صباح و يَلِج باب المؤسسة التربوية فيلتحق بالقسم ليشرع في تأدية مهمة رجل التربية والتكوين .. وليتفاجؤوا بعد أعوام من ذلك أن نفس الأب الذي كان أستاذاً بالأمس، أصبح اليوم عِوض أن يُوَلِّي وجهه شطر المدرسة يَقْلِب وِجْهته شطر الحقل أو المقهى .. نفس الشيء يقال عن الأزواج الذين عقدوا قرانهم “زمن الخصاص”؛ فكيف لفتاة أن تتزوج أستاذاً (يسد الخصاص) لتجد نفسها بعد شهور متزوجة برجل يفعل شيئاً آخر غير التربية و التعليم ..؟
هذا، و لن نبالغ إذا قلنا أن أسبقية هذه الفئة يجب أن تَأْتِيَّ مُقَدَّمَةً عن قضية الأساتذة المتدربين والهدر الزمني الذي شاب تكوينهم، لسبب وجيه، ألا وهو كون الفئة الأولى سابِقَةٌ من حيث الزمن ولها نقط امتياز عديدة من حيث التجربة والممارسة.
نعتقد أن هذه هي اللحظة المناسبة التي يجب فيها تحويل الاعتمادات المُقَدَّرة بملايين الدراهم، وعشرات الميزانيات الفرعية بقيمة عشرات الملايير، التي كانت مخصصة لمواجهة بوادر الجفاف، إلى مشروع استثماري و تربوي يرمي النهوض بقيمة المواطن المغربي (كراشد و كطفل) من خلال إعادة إدماج – ولو استثناءً – كافة أساتذة سد الخصاص في وزارة التربية الوطنية، لقد كُتِبَ للمغرب يوم 14 فبراير 2016، حياةً جديدةً و قِصَّةُ ازدهارٍ ثانية، من خلال التساقطات المطرية والثلجية التي عَمَّت سماء المملكة في ذلك اليوم وما بعده، والتي كانت لها أثارٌ جميلة و رائعة على نفسية كافة المغاربة بما فيهم القادة والمسؤولون.
أخيراً أريد أن أقول بأنني كثيرا ما سمعت رئيسَ حكومة الربيع المغربي يقول، متحدثاً عن أثار إصلاح صندوق المقاصة وعلاقته بإعادة الاعتبار للفئات الاجتماعية المَقْصِيَّةِ من نعم الوطن،” إذا جاد الله، جاد عمر”. فها قد جاد بفضله الإله، فهل سيجود عبده عبد الإله، كما وَعَد ..؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق