نافذة على الثقافة و الفن

من يحمي الفنانين والفن المغربي من السماسرة ..؟

D1

على إثر السؤال الذي وجهه أحد البرلمانيين بمجلس المستشارين خلال جلسة 07 يوليوز 2015 للسيد وزير الثقافة حول “وضعية الفن والفنان بالمغرب” ارتأينا في جريدة المستقلة بريس أن ندلي بدلونا في هذا الموضوع .. وعليه، فإنه في غياب التأطير القانوني الحقيقي والفاعل الذي تعاني منه ساحة الفن بوجه عام بالمغرب .. يمكن أن يلاحظ من أول وهلة شيوع نوع من الفوضى العارمة بشكل اختلط معه الحابل بالنابل .. وعز معه تمييز الأشياء عن بعضها.

وفي هذا المجال، فإننا سنسجل حتما العديد من المواقف، بشكل لا يمكن حصره في خانة واحدة محددة .. وذلك في غياب التأطير القانوني – كما أسلفنا – والذي يعود إلى أسباب شيوع هذه الفوضى التي تقلدت زمام الأمور فيها زمرة من المتطفلين على الميدان الفني، وشرذمة من الانتهازيين، ومقتنصي الفرص الذهبية لتأسيس الثروات المادية الخاصة على حساب قيم الفن، ومعاناة الفنان المغربي المغلوب على أمره، ومن المتعارف عليه أن هؤلاء (المتطفلين و .. ) لاوجود في منطقهم، ولاحساب في اعتباراتهم للفن الراقي الذي يؤسس للحضارة، ويشيد بوجود الإنسان .. وعند هذه النقطة بالذات، نريد أن نفتح قوسين لنستطرد ونطرح هذا التساؤل: ” ما دور النقابات القائمة حاليا على جميع المستويات، وبخاصة تلك التي تعنى (ياحسرة) بالحقل الفني ببلادنا، وعلى أي رؤية وتصور يقوم هيكلها ..؟ ” إن لم يكن من أول أولوياتها الذود عن حقوق الفنان المغربي، وضمان العيش الكريم له، وإيلائه المكانة المشرفة التي يستحق، مما يساعده على الإبداع والابتكار .. لكن، ببالغ الأسى والأسف، فمعطيات الواقع الراهن التي يعرفها حقلنا الموسيقي والغنائي والمسرحي على حد سواء، تغني عن كل جواب .. ! طبعا مع الوضعية المزرية التي يعيشها رجل الإبداع المغربي على جميع الأصعدة .. هذا إلى جانب مرضنا المزمن بعقدة الأجنبي والاستلاب له .. وذلك يتجلى في فتح المجال بالدعم والتشجيع اللامنتهيين لكل واحد من المشرق، كذبت عليه نفسه، وأسر له شيطانه بأنه فنان .. وهكذا يجد باب المغرب مشرعا في وجهه، ودون رقيب أو حسيب، يقدم على تنظيم السهرات والحفلات الفنية العمومية، التي تواكبها (ظلما وعدوانا) تغطية إعلامية على أوسع نطاق .. ونقول (ظلما وعدوانا) أمام هذا الحيف الذي يعانيه مبدعونا المغاربة أمام ظاهرة الاستلاب التي تملكتنا في هذا الحقل .. وجعلتنا نفسح المجال لكل وافد علينا من البلاد الأخرى، وكأن هذا الوافد قد ملك الرسالة الإبداعية المثلى التي ننتظر الاسترشاد بنورها السني .. ولا نجد هنا ما نستشهد به عن صحة أقوالنا إلا الغضب الذي يصاب به جمهور الفنانين المغاربة، والحنق الذي يشعرون به من جراء تعامل الساهرين على تنظيم المهرجانات والحفلات، الذين يعطون الأولوية دائما (للفنان) الأجنبي ولو كانت جعبته خاوية، وتخويله حصد الأموال الطائلة، الشيء الذي يفضي لامحالة إلى تهميش أهل الدار، الذين لا يصلهم إلا الفتات من الميزانيات الضخمة التي ترصد للمهرجانات والتي هي في الحقيقة من مال الشعب الذي من حقه هو الآخر أن يختار طرق صرفه، ويستشار فيما يتم تخطيطه من طرف الذين بيدهم زمام الأمور، وإن من يرى أو يسمع عن أفواج بالجملة من المحسوبين على المجال الفني يدخلون إلى المغرب بهذه الكثافة، يتخيل إليه أن هذا الشعب العريق قد قرأت الفاتحة على أرواح فنانيه ومبدعيه، وإنه لم يعد يوجد من يثري الساحة الفنية عندنا ..!

لا أيها السادة، نحن أيضا نملك وطنا .. وكيانا .. وتراثا .. وحضارة عريقة في المجد والسؤدد .. ولدينا مبدعون سحروا بلاد الشرق في مناسبات عديدة .. وبلغوا الأوج في تقدير الآخرين لهم .. ومن المؤكد أن بداية تسلق سلم الحضارة والتقدم الرفيع تكون أول أدراجها إحساسنا بكياننا، وانتمائنا لوطننا الأعز، وشعورنا بارتباطنا القومي الصادق .. ومحبتنا لتراثنا الخالد، واعتنائنا بمبدعينا الخلاقين .. إضافة إلى عملنا على تحقيق التواصل الدائم مع الآخر والانفتاح (بأشيائنا) على العالم لنفيد برصيدنا ونستفيد.

ولكي لا تفوتنا فكرة البداية، نعود لنؤكد على ضرورة العمل على تنظيم المجال الفني ببلادنا .. وتقنينه، وتحصينه ضد كل ما يسيء إليه .. كما هو الحال في مصر مثلا – ونحن نتحدث عن التقنين والتأطير- يجب أن يعلم الجميع، وخصوصا أولائك الذين يهوون العناق الحار والابتسامة العريضة وتقديم وتكريم (فناني الخارج)، وكما ذكر بذلك السيد المستشار .. فإن الفنان الأجنبي الذي يفد على أرض الكنانة، لا يملك الحق بتاتا في تنظيم ولو حفلة صغيرة إلا بعد أن يخضع للعديد من الإجراءات القانونية الصارمة من طرف نقابة الموسيقيين بمصر  .. إضافة إلى التزامه بالعديد من الشروط المحددة والتي تخدم طبعا البلد المضيف وأهله، في حين تبقى نقاباتنا في الحقل الفني بالمغرب مجرد إطار هو نفسه في حاجة إلى تأطير وتنظيم .. ويبقى إلى جانب ذلك واقعنا الفني بشكل عام، كقشة فوق سطح الماء بين دوافع المد والجزر .. ويبقى مبدعونا – في غياب التأطير القانوني المنظم للمهنة – مجرد أناس يطلبون لقمة العيش في ظروف جد عسيرة ومضطربة .. غالبا ما يلتجئ معها أغلبهم إلى العمل في مجالات أخرى، كالغناء أو العزف في العلب الليلية والحانات، أو الأعراس، وهم في ذلك يستلون كسرة خبز كمن يستل الزهور من الأشواك.

وإلى أن يصبح مطرب الحي يطرب، نتمنى أن يتقي اللـه في فنانينا المغاربة وفينا وفي أموالنا أولائك الذين تعذر عليهم الشفاء من عقدة الفنانين الأجانب .. لأنه من العار ثم العار أن نهتم بمن يأتي من وراء البحار ونهمل أهل الدار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق