أخبارنافذ غلى الثقافة والفننافذة على الثقافة و الفن

عناق الحروف في عيد الكتاب

بقلم- سعيد ودغيري حسني

بمناسبة المعرض الدولي للكتاب بالرباط، وفي حضرة أبريل العاشق للضوء واللغة، تتزين الرباط بثوب الحبر وتغني المكتبات لحناً قديماً عن أممٍ كانت تقرأ فارتفعت وأخرى هجرت الحروف فذبلت

 

أبريل لا يمر عابراً

بل يأتي كالعاشق المنتظر

يحمل بين يديه ورود المعنى

ويوقظ فينا شغف الكلمة الأولى

ويذكرنا بأن الحضارة تبدأ بسطر

في الثالث والعشرين من أبريل

تصير الأرض مكتبة

والمدن تهمس بأسماء الكتب

تخفت الضوضاء

ليرتفع صوت المعنى

ويعلو صمت التفكير

يومٌ عالمي يحتفي بالكتاب

يعيد للمؤلف حقه

ويكرم الفكرة في مهدها

ويمنح القارئ ميدالية غير مرئية

لأنه بقراءته

يصنع الفرق

في الرباط

تتقاطع الطرق كما الأفكار

وتُقام المعارض كما تُقام القصائد

كل زاوية من المعرض قصة

كل رفٍّ نداء

وكل زائر مشروع كاتب

أو عاشق صامت للحرف

الكتاب ليس جماداً

بل كائن حي

يأخذك من يدك دون ضجيج

ويطوف بك أزمنةً

لا تدخلها جوازات السفر

في كل صفحة حياة

وفي كل فصل وطن

وفي غلافٍ بسيط

قد يسكن كنز لا يُقدّر بثمن

من بين الزحام

يتسلل طفل صغير

يحمل كتاباً أكبر من حقيبته

يمشي بين القاعات

كمن وجد بوصلته

وفي هذا الشهر

نتذكر العظماء

شكسبير

ثيربانتس

وإنكا غارسيلاسو

ماتوا في الجسد

لكنهم خالدون في الفكر

كتبوا فأناروا

ونحن نقرأ فنبقى

في أبريل

تصير الكلمة صلاة

وتصير المكتبة محراباً

ويصير الكاتب نبياً من نور

وكل قارئ تابع في محراب المعنى

فلتكن لنا وقفة

مع ما نقرأ

ومع من كتب

ومع الذين ضحّوا ليُخلّدوا فكرة

أو يُشعلوا شمعة

في ليل الجهل الطويل

في هذا الشهر المبارك بالحروف

نردد جميعاً

أن الحضارة لا تُبنى بالإسمنت فقط

بل تُبنى بالحروف

والقوة لا تكون بالسلاح فقط

بل بالمعرفة

أبريل لا يوزع الجوائز

لكنه يزرع الإلهام

ويحرّض العقول على النهوض

ويربت على كتف القلم

فلنقرأ

لأن القراءة لا تُطيل الأعمار

لكنها تمنحها قيمة

ولا تزيد الأيام

لكنها تعمّقها

في أبريل

تُعلن اللغة عيدها

وتغادر الكلمات صمتها

لتحتفل بنفسها فوق منصات الوعي

هو شهر العودة إلى الذات

حين يجلس الإنسان مع كتاب

كأنه يجلس مع مرآته القديمة

يرى ما فات

ويخيط ما تمزق من أيامه

منذ بدء الخليقة

كان الحرف رسولاً

وكانت القصص وسيلة النجاة

من التوحش

من النسيان

من الموت الثاني

لم يكن الكتاب يوماً ترفاً

بل ضرورة

كما الماء

كما الضوء

كما الخبز حين يجوع العقل

في صفحات الكتب

كثير من الأرواح

لأمهات كتبن رسائل منفية

وعشاق قالوا الحقيقة وهم يبتسمون

وفلاسفة ألقوا السؤال ورحلوا

وبقي السؤال يمشي بيننا

في أبريل

كل قارئ شاعر

وكل كتاب ناي

وكل معرض منصة للحلم

نقرأ لنعرف

ولنفهم

ولنختار الطريق بأعين مفتوحة

فالجهل ليس عجزاً

بل قرارٌ قاتل

وفي الرباط

حيث تزدهر الفكرة وتخضر

تزدهر روح المغرب الثقافي

ويعلو مقام الكتاب

كما يليق بمملكة الفكر

زبدة القول

في أبريل

يولد القارئ من جديد

ويثبت الكتاب أنه أوفى من كثير من البشر

فلنحمه

ونُعلي من شأن مؤلفه

فالحبر الذي لا يُحترم

لا يصنع حضارة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق